في Thursday 9 September, 2021

أزمة الوقود «تعطّل» سيارات الأجرة في لبنان

كتب : زوايا عربية - وكالات

يستيقظ سائق سيّارة أجرة لبناني، ملقّب بـ "أبو غضب"، يوميا، ويذهب ليصطفّ في طابور السيّارات أمام محطة محروقات في بيروت، بانتظار أن يحين دوره بالتعبئة، ثمّ يبدأ عمله بعد ساعات انتظار.

حال "أبو غضب" يشبه حال جميع سائقي سيّارات الأجرة في لبنان، الّذين باتت خسارتهم أكثر من ربحهم، بعد رفع جزئي للدعم عن المحروقات في البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة منذ نحو سنتين.

وكان الهدف من الدعم المحافظة على أسعار المحروقات منخفضة، في ظلّ تراجع قيمة العملة المحليّة مقابل الدولار، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 20 ألف ليرة، بينما سعره الرسمي 1515.

وقفزت أسعار الوقود المُباع في لبنان بأكثر من 66 بالمئة، عقب خفض دعم استيراد المحروقات، إلى سعر صرف 8000 ليرة للدولار، بدلًا من 3900 ليرة.

وتعصف بلبنان، منذ نحو سنتين، أسوأ أزمة اقتصاديّة في تاريخه الحديث، ما أدّى إلى انهيار مالي، وشحّ في الوقود والأدوية وسلع أساسيّة أخرى جرّاء نفاد النقد الأجنبي المخصّص لاستيراد السلع الأساسيّة.

الوقوف بطوابير الذّل
لا تختلف قصّة "أبو غضب"، عن قصّة المواطن أبو علي فياض، الّذي يعمل على سيّارة أجرة في إحدى مناطق بيروت. يقول إنّه يقضي أكثر من 12 ساعة في انتظار دوره أمام محطّة المحروقات، من أجل تزويد سيّارته بالبنزين، وفي بعض الأحيان لا يصل إلى مبتغاه.

ويتحدث لوكالة "الأناضول" عن الحالة المزرية الّتي يعيشها، قائلًا إنّ ما يجمعه يوميًّا (نحو 300 أو 400 ألف ليرة لبنانيّة)، يدفعه من أجل تعبئة البنزين.

ويعتبر أنّ "العصابات تسيطر على محطّات المحروقات، ومن يستقوي هو الّذي يؤمّن لنفسه البنزين".

هنا، يوضح "أبو غضب" أنّه يدفع يوميًّا إيجار السيّارة 130 ألف ليرة (إن عمل أو لا) لصاحبها، وإن أضفنا هذا المبلغ على سعر كميّة البنزين الّتي يحتاجها يوميًّا، فلن يبقى له مال ليعتاش منه.
ويشكو الاثنان من أنّ محطّات المحروقات لا تملأ خزّاناتهم بشكل كامل.

ارتفاع بكلفة النقل
منذ سنوات طويلة، كان رسم التنقّل عبر سيّارة الأجرة مستقرًّا، يوازي 2000 ليرة لبنانيّة، وبعد رفع سعر المحروقات للمرّة الأولى منذ أشهر، زادت التعرفة إلى 8000 ليرة لبنانيّة.

أمّا اليوم، فتطغى الفوضى على هذا القطاع، في ظلّ غياب تسعيرة رسميّة.

ويشير "أبو غضب" إلى أنّ "التعرفة اليوم لنقل أيّ شخص تتراوح بين 15 ألف ليرة لبنانيّة و20 ألف ليرة"، معتبرًا أنّ "هذه الكلفة مرتفعة بالنسبة إلى الزبون الّذي يعاني من مشكلات ماليّة كبيرة".
ويبلغ عدد السيارات العمومية في لبنان 33256 سيارة، وفق دراسة لشركة "الدولية للمعلومات" (خاصة)، مشيرة إلى أن جزءا من هذه السيارات لا يعمل.

قطع السيّارات بالدولار
معاناة أُخرى يقدّمها سائق التاكسي خضر الحسيني، إذ يقول إنّ "تكلفة إصلاح أي قطعة في السيّارة ضخمة جدًّا، وتُحتسب بالدولار".

ويشدّد، في تصريح إلى "الأناضول"، على أنّ أخذ مبلغ 20 ألف ليرة من الزبون، لا تكفيه بتاتًا لإصلاح سيّارته في حال أصابها عطل تقني ما.

مطالب محقّة
يُطالب "أبو غضب" الدولة اللبنانية والمعنيّين بأن "يتمّ إنشاء طابور خاصّ بأصحاب سيّارات الأجرة، لأنّه لا يمكنهم الانتظار كلّ يوم لساعات طويلة أمام المحطّات بدلا من العمل".

أمّا الحسيني، فيطالب بتشكيل حكومة في لبنان، قائلًا: "الشعب جاع ونفد صبره".

وفي 26 يوليو/ تموز الماضي، كُلّف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة خلفًا لحكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب، والّتي استقالت بعد 6 أيّام من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020. ومنذ ذلك الحين، يعجز لبنان عن تشكيل حكومته.

بدوره، يتمنّى فياض أن "تتحسّن الأوضاع في لبنان، لعلّ تعرفة سيّارة الأجرة تعود إلى 2000 ليرة لبنانيّة"، مشدّدًا على "أنّنا نحاول مراعاة الركّاب، لكنّنا نضطرّ إلى رفع السعر".

ولا يخفِ خوفه على الفقراء في البلد، الّذي يقول إنّه منهم، متسائلًا: "كيف يمكنهم دفع هذه التكلفة المرتفعة كلّ يوم، للذهاب إلى عملهم؟".

خوف فياض، يترجمه المواطن محمد مسرى، الّذي تخلّى عن التنقّل عبر سيّارات الأجرة، مفضّلًا السير من منزله إلى مكان عمله (يقعان في بيروت)، والعكس.

ويؤكّد مسرى، في تصريح إلى "الأناضول"، أنّ "راتبي الشهري لا يكفيني لنهاية الشهر، والمعيشة في لبنان باتت صعبة جدًّا".

أحد الأشخاص الّذين يعملون في إدارة رسميّة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يشرح "أنّه يحتاج يوميًّا إلى أكثر من 50 ألف ليرة للذهاب إلى عمله، في حين أنّ راتبه يوازي مليون و200 ألف ليرة".
وبعمليّة حسابيّة بسيطة، فهذا الشخص يحتاج شهريًّا إلى مليون ليرة للتنقّل فقط، ويبقى لديه 200 ألف ليرة لبنانيّة من أصل كلّ راتبه، أي أنّ نحو 80 بالمئة من راتبه يدفعه على المواصلات".

فوضى بالتعرفة
يعلن رئيس النقابة العامّة لسائقي السيّارات العموميّة في لبنان مروان فياض أنّ "قطاع النقل يمرّ بأصعب مرحلة منذ تأسيس الدولة اللبنانيّة".

ويقول، في تصريح إلى "الأناضول"، إنّه "على الرغم من علم المسؤولين أنّ الدعم سيُرفع، فإنهم تجاهلوا فكرة إعداد خطّة خاصّة بالقطاع"، لافتًا إلى أنّ "السائق يضطرّ اليوم إلى شراء تنكة بنزين من السوق السوداء بـ 400 ألف ليرة، عوضًا عن الانتظار بالطوابير أمام المحطّات".

ويكشف أنّ "النقابة تقدّمت بخطّة إلى الحكومة، إلّا أنّ الأخيرة لم تأخذ بها".

ويعترف بأنّ "تعرفة النقل في لبنان، اليوم، هي عبارة عن فوضى عارمة، وكلّ سائق يسعّر وفق ما يراه مناسبًا له، في ظلّ الظروف المعيشيّة الصعبة".

وعُقد أواخر أغسطس/ آب الماضي اجتماع بين النقابات المسؤولة عن قطاع النقل وعدد من الوزراء المعنيّين، وتمّ الاتفاق على خطّة، سيبدأ العمل بها مطلع شهر تشرين الأوّل المقبل، بحسب فياض.

ويعدّد أبرز نقاط الخطّة، مفسّرًا أنّها "تنصّ على إعطاء كلّ يوم، صفيحة بنزين لسائق السيّارة العموميّة على سعر 100 ألف ليرة، بالإضافة إلى إعطائهم البطاقة التموينيّة، مع مبلغ 500 ألف ليرة شهريًّا كفرق قطع الغيار للسيّارة".

ويشير فياض إلى أنّ "تطبيق هذه الخطّة سيجعل تسعيرة نقل "السرفيس" تقارب الـ 10000 ليرة لبنانيّة"، لكنّه يشكّك في تطبيقها، قائلاً: "ليس لدينا ثقة بالدولة الّتي أوصلتنا إلى هذا الحال".

إذًا، ستستمرّ الفوضى بتسعيرة سيّارات الأجرة في لبنان حتّى مطلع الشهر المقبل، في ظلّ معاناة كبيرة لأصحابها الّذين يعَدّون من الطبقة المحتاجة في بلد "يستعطي" دول العالم المساعدات.