في Thursday 10 February, 2022

مناورات كبيرة في الخليج ونظام دولي جديد يوشك أن يولد

مناورات عسكرية بحرية (أرشيف)
كتب : تقرير - منيف الهلالي

تعمل القوى الكبرى بعقلية الوحوش التي تستغل فائض القوة لديها لإخضاع بقية الحيوانات واستغلالها، فثمة صراع جديد للتربع على عرش الهيمنة على العالم بعد فترة خضوع لهيمنة القطب الواحد امتدت طويلاً، ففي الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية الحفاظ على زعامتها للعالم والهيمنة عليه خرج الدب الروسي من قمقمه مستعيناً بتحالفه مع التنين الصيني في محاولة لانتزاع هذه الهيمنة أو على الأقل إعادة النظام العالمي إلى القطبية الثنائية التي كان عليها إلى ما قبل عام ١٩٨٩م.

الأزمة الأوكرانية
في الأسبوع المنصرم قرر الرئيس الأمريكي " جو بايدن" إقامة جسر جوي لدعم أوكرانيا بالسلاح الحديث وإرسال 3 آلاف جندي إلى بولندا والمانيا ورومانيا لدعم دول الناتو في أوروبا الشرقية في مواجهة التهديدات الروسية، ومن البديهي جداً أن لدى أميركا الاستعداد لإرسال أضعاف هذا العدد في حال حدوث أي صدام عسكري، وفي المقابل قامت روسيا بحشد نحو 30 ألف جندي من قواتها على حدود بيلاروسيا، الحليف التقليدي لموسكو، مدعومين من القوات الخاصة الروسية، والطائرات المقاتلة المتطورة، وصواريخ إسكندر الباليستية القصيرة المدى، وأنظمة الدفاع الجوي الصاروخي «إس 400».. ليس هذا وحسب، بل قام الرئيس الروسي "بوتين" بزيارة بكين وعقد قمة مع الرئيس الصيني "شي جين يينغ"، عاد بعدها بدعم صيني صريح وملزم في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في إطار الأزمة الأوكرانية المُتفاقمة.

لم يتوقف الصراع الروسي الأميركي عند هذا الحد، بل تطور إلى إجراء مناورات عسكرية في الخليج وسعي كل طرف لتعزيز تحالفاته ومحاولة ضم دول جديدة تعزز موقف كل طرف في حال انسداد السبل الدبلوماسية والانحدار نحو الخيار المرعب.

المناورات الأميركية في الخليج
تشهد منطقة الخليج أكبر مناورة بحرية في منطقة الشرق الأوسط بمشاركة واسعة من الدول والمنظمات الدولية من بينها السعودية والإمارات وإسرائيل وبقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وتعد هذه المناورة، التي تشترك فيها أيضاً البحرين وعمان ومصر والأردن والسودان والمغرب وجيبوتي والصومال وحكومة هادي، هي الثانية من نوعها من حيث المشاركة العلنية للقوات الإسرائيلية بعد المناورة الرباعية التي نفذتها بالتعاون مع القوات الأميركية والبحرينية والإماراتية في أواخر شهر ١١ من العام الماضي، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

وأعلنت البحرية الأميركية عن بدء المناورة التي ستستمر إلى ١٧ فبراير الجاري بمشاركة ٦٠ دولة ومنظمة دولية بينها حلف الناتو والانتربول، والتي تهدف، بحسب "براد كوبر" قائد القوات البحرية بالقيادة المركزية الأميركية والأسطول الخامس والقوات البحرية المشتركة، إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد، ناهيك عن قدرات المشاركين والتشغيل المشترك والروابط البحرية.

وتقود بحرية القيادة الوسطى الأميركية هذه المناورات المعروفة باسم "آي إم إكس" ٢٠٢٢ بالشراكة مع مناورات تقودها البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا وبحر العرب وخليج عمان والبحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وفق بيان للبحرية الأميركية.

ويتمركز الأسطول الأميركي الخامس في منطقة "الجفير" شرق العاصمة البحرينية المنامة، وتشمل عملياته منطقة الخليج وخليج عمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي.

وتعد منطقة الخليج التي تمر منها قرابة نصف إمدادات النفط للعالم من أهم مهام هذا الأسطول في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة.

وبحسب قائمة المشاركين في المناورة المنشورة على موقع القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، يضم التدريب كلاً من: البحرين، وبنغلاديش، وبلجيكا، والبرازيل، وكندا، وكولومبيا، والدنمارك، وجيبوتي، ومصر، وفرنسا، وجورجيا، وألمانيا، واليونان، والهند، وإسرائيل، واليابان، والأردن، وكازاخستان، وكينيا، ومدغشقر، وموريشيوس، والمغرب، وموزامبيق، وهولندا، ونيوزلندا، ونيجيريا، وعمان، وباكستان، والفيليبين، وبولندا، وروندا، والسعودية، والسنغال، وسنغافورة، والصومال، وكوريا الجنوبية، وسريلانكا، والسودان، وتنزانيا، وتايلند، وتركيا، والإمارات، وبريطانيا، وأميركا، والأوروغواي، واليمن، كما يضم بعض المنظمات والهيئات الدولية مثل الإنتربول وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأعلنت إسرائيل التي تشارك بفاعلية في هذه المناورة عن استخدامها لمنظومة جديدة لاعتراض الصواريخ بالليزر، كما أن بيان البحرية الأميركية أشار إلى أن هذه المناورات تتيح للقوات المشاركة فيها اختيار الأنظمة المسيرة والذكاء الصناعي وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة وعمليات الأمن البحري ومكافحة الألغام البحرية.

تأتي هذه المناورة التي وصفت بالكبرى من حيث استخدام الأنظمة البحرية العسكرية المسيرة في الوقت الذي تعرضت فيه دولة الإمارات لعدد من الهجمات عبر الطائرات المسيرة من قبل سلاح الجو المسير لأنصار الله، بالإضافة إلى اختطاف سفينة إماراتية في المياه الإقليمية اليمنية، كما تلاهما هجمات أخرى من قبل "ألوية الوعد الحق" العراقية بـ 4 طائرات مسيرة .

المناورات الروسية في الخليج
وفي المقابل كانت روسيا والصين وإيران قد أجرت قبل أيام مناورات سميت بــ "الحزام الأمني البحري ٢٠٢٢" على مساحة ١٧ ألف كلم في المحيط الهندي واستمرت لأربعة أيام.

وهدفت، بحسب المتحدث باسم المناورات " الأدمير ال مصطفى تاج الدين"، إلى تعزيز الأمن في المنطقة والتعبير عن حسن النوايا، وإظهار قدرات الدول الثلاث في الدعم المشترك للسلام العالمي والأمن البحري.

وتقع هذه الدول الثلاث ضمن تحالف مائي يسعى إلى تأمين الملاحة الدولية وبناء حزام أمني لحماية المحيط الهندي وخليج عمان الذي تمر عبره خمس كميات النفط العالمي ويربط بحر العرب بمضيق هرمز والخليج.

وقد شكل خليج عمان منطقة محورية للتوترات نظراً للاحتكاكات المتكررة بين البحرية الإيرانية والأميركية، واتهام أميركا لإيران باختلاق المشكلات ووقوفها وراء عدد من الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط.

وبحسب بيان وزارة الدفاع الروسية فإن "السفن الروسية قامت بالتعاون مع البحرية الصينية بمناورات تكتيكية وعمليات بحث عن سفينة شحن تم الاستيلاء عليها، ولعبت الناقلة (بوريس بوتاما) ذلك الدور، حيث تدرب البحارة على تحرير السفينة التي تم الاستيلاء عليها.

وجاء في البيان أن الجانب الروسي شارك بمجموعة من سفن أسطول المحيط الهادي بما في ذلك طراد صواريخ "فارياج" والزورق الحربي الكبير "أدميرال تريبوتس"، والناقلة "بوريس بوتوما"، أما البحرية الصينية فقد مثلتها المدمرة الصاروخية "أورمتش" وسفينة الإمداد "تايهو".

الخاتمة
وبما أن التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا يتصاعد بشكل متسارع، إلا أنه يلاحظ أن الأولى تتعامل بحذر مع العديد من الملفات والقضايا، ولعلها تستخدم ذات الطريقة التي استخدمها الألمان مع النمساويين في الأسابيع الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، حيث أرسل جنرال ألماني برقية إلى حلفائه النمساويين يلخّص فيها الموقف، فكتب قائلاً: «الأمر خطير، ولكنه ليس كارثياً».. ليأتيه الرد: «الوضع هنا كارثي، ولكنه ليس خطيراً». فالقوة التي يتم استعراضها عبر مناورات وصفت بأنها الأضخم تنفذها أميركا وحلفائها هذه الأيام في الخليج هي لا تغض الطرف عن أي قضية من القضايا التي ذكرناها سابقاً، إلا أنها تضع لكل قضية محدداتها وطرق معالجتها، فعلى سبيل المثال إيران التي باتت تضع دول الخليج وخصوصاً السعودية تحت كماشة: حزب الله والحشد الشعبي من الشمال، وأنصار الله من الجنوب، وفي ذات الوقت باتت، بحسب تقارير روسية، تمتلك قنابل نووية صغيرة ركبتها من مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب، تهدد بها المنطقة، تفصح المؤشرات أن الحلف الأميركي لن يقدم على ضربها عسكرياً والمجازفة بأمن واستقرار المنطقة، إدراكاً منه بأن ردة الفعل ستكون عنيفة ومدمرة، ولذلك سيكتفي بالتهديد والاستعراض القتالي بهدف ابتزاز دول الخليج والحصول على المزيد من الأموال، خصوصاً بعد حصول إسرائيل على مبتغاها على الأقل في هذه المرحلة وهو التطبيع مع عدد من الدول العربية، كما أن أميركا لديها ملفات أخرى أكثر تعقيداً، فهي تقف على حافة حربين الأولى في أوكرانيا ضد روسيا والثانية في تايوان ضد الصين، ولا يمكن لها أن تنزلق إلى فوهة البركان الإيراني.

أقول هذا رغم قناعتي أننا نعيش مرحلة حرب باردة بين أميركا وروسيا بعد أن حاول الدب الروسي التمرد على واقعه الخانع للقطبية الأحادية والوقوف في وجه أميركا في العديد من القضايا، وصنع تحالفات تدعو إلى حقبة جديدة في العلاقات الدولية، ووضع حد للهيمنة الأميركية على مقدرات العالم، وما البيان المُشترك الذي صدر عن الرئيسين الروسي والصيني بعد قمتهما المنعقدة في اليومين الماضيين، بالإضافة إلى التلاسن الأخير الذي حدث بين الرئيسين بوتين وبايدن اللذين تخليا فيه عن العقلانية والنضج السياسي وتجاوزا حدود اللياقة الدبلوماسية المعهودة في التخاطب بين قادة الدول، إلا مؤشر خطير يعبر عن الأوضاع القلقة والمتأزمة التي تسبق النظام الدولي الجديد الذي يوشك أن يولد، وستكون ضريبته مكلفة من دون شك.