في Saturday 16 July, 2022

«فورين بوليسي»: الهند لن تتخلى عن النفط الروسي لأسباب عدة

كتب : زوايا عربية - متابعات

رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المصافحات والعناق بين قادة دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى ونظرائهم من الهند وجنوب إفريقيا وإندونيسيا والأرجنتين والسنغال، خلال قمة قلعة إلمو بمقاطعة بافاريا بجنوب ألمانيا الشهر الماضي، لم تنجح في إخفاء حجم الانقسام العميق بين هؤلاء القادة بشأن التعامل مع ملف الطاقة الروسي رغم أن القمة كانت مخصصة في الأساس لبحث الحرب الدائرة في أوكرانيا وتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على روسيا.

وأوضحت المجلة ـ في تقرير تحليلي لها حول نتائج قمة مجموعة السبع ـ أن واحدة من الدول التي شاركت في اجتماعات القمة وشكلت حجر عثرة أمام التوصل إلى اتفاق واضح حول توسيع حجم العقوبات على النفط الروسي، هي الهند (الصديق المقرب للولايات المتحدة والدول الأوروبية)، حيث حاول عدد من زعماء العالم التحدث مع رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، بل وزيارته في نيودلهي، لإقناعه بوقف أو على الأقل الحد من شراء خام النفط الروسي، ولكن كان الفشل حليفهم حتى الآن.

ويرى محللون أن المكاسب الاقتصادية تقود خيارات الطاقة في الهند، حيث مع ارتفاع أسعار النفط العالمية، خرج وزير الشؤون الخارجية الهندي "سوبراهمانيام جايشانكار" ليؤكد أن بلاده تعمل فقط على تأمين أفضل الصفقات لنفسها، سيما في ظل العقوبات الغربية على الخام الإيراني والفنزويلي والتي تضعهما خارج نطاق تعاملات السوق.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن نيودلهي لديها أيضا أسبابا أخرى (غالبا لا يتم الإشارة إليها) لشراء كميات هائلة من النفط الروسي خلال فترة الصراع الحالي، حيث أدت سلسلة من الاستثمارات التي قامت بها شركات القطاع العام الهندية والروسية في قطاعي النفط لدى الجانبين إلى خلق ما يمكن وصفه بـ "الحبل السُري" بين صناعات الطاقة في البلدين؛ الأمر الذي يفرض على الهند (وانطلاقا من مصالح ذاتية بحتة) أن تحافظ على استمرار تدفق النفط والغاز الروسي، خاصة في وقت يتجنب فيه كثيرون موسكو.

ويؤكد "إدوارد تشاو" محلل الطاقة والمدير التنفيذي السابق لشركة شيفرون على هذا الرأي بالقول: "سواء أحب الغرب ذلك أم لا، ستحاول الهند تأمين احتياجاتها من الطاقة، وهذا ما تفعله".

ففي مايو الماضي، ارتفعت واردات الهند اليومية من النفط الروسي بمقدار 764 ألف برميل مقارنة بما كانت عليه في يناير 2022. ووفقا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الذي يتخذ من هيلسنكي مقرا له، فقد اشترت الهند 1 في المائة فقط من الخام الروسي قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن هذا الرقم ارتفع إلى 18 بالمائة في مايو الماضي، فيما لم يقم أي بلد آخر بزيادة استهلاكه من النفط الروسي بالقدر نفسه.

وأوضحت المجلة الأمريكية أن الفوائد التي تعود على الهند من ذلك كبيرة، حيث إن الأورال، وهو مزيج النفط الروسي، كان أرخص بمقدار 36 دولارا للبرميل الواحد في شهر مايو مقارنة بخام برنت، ما يعني أن الهند خفضت فعليا 27.5 مليون دولار من فاتورة واردات النفط اليومية - أو 852 مليون دولار خلال شهر مايو الماضي فقط ـ وهو ما من شأنه السماح للهند ـ إذا استمر الأمر على هذا المنوال- بتغطية نفقات الميزانية السنوية لبرنامج الغداء المدرسي الضخم، الذي يطعم ما يقدر بنحو 120 مليون طفل كل يوم، وتغطية الميزانية السنوية البالغة 1.72 مليار دولار لبرنامجها الفضائي الذي يستعد لأول رحلة مأهولة.

وتقول فاندانا هاري، مؤسسة شركة "فاندا إنسايتس للاستشارات النفطية" ومقرها سنغافورة، إن الروبية الهندية تنخفض مقابل الدولار الأمريكي، ما يضخم فارق السعر بين نفط برنت والأورال بالنسبة للهند، لذلك فإن "الدولار القوي والروبية الضعيفة بمثابة ضربة مزدوجة لواردات النفط الهندي. وعليه، فمن المنطقي اقتصاديا أن تشتري الهند الخام الروسي أو منتجات الطاقة الأخرى".

والمؤكد هنا أن الفوائد الاقتصادية قصيرة الأجل ليست الحافز الوحيد للهند لمواصلة شراء النفط الروسي، حيث قامت أربع شركات هندية رئيسية للطاقة في عام 2016 بشراء حصة 49.9 بالمائة في حقل "فارنكورنفت" النفطي في شرق سيبيريا، فيما اشترى كونسورتيوم (اتحاد شركات) مكون من شركة "أويل إنديا المحدودة" وشركة "إنديان أويل المحدودة" وشركة "بهارات بترو ريسورسز المحدودة" حصة 29.9 في المائة في حقل آخر في القطب الشمالي، بإجمالي استثمارات في المشروعين بلغت 4.2 مليار دولار.

وتؤكد فاندانا هاري أن المساهمين في هذين المشروعين، الذين تعتبرهم الحكومة الهندية من كبار مستثمريها، يريدون بالطبع أن يروا المشاريع الروسية تواصل تشغيل وتصدير النفط والغاز الطبيعي المسال، حتى لا تتعرض الأرباح المستقبلية لهؤلاء المستثمرين للخطر خاصة مع قيام المستهلكين التقليديين للطاقة الروسية في أوروبا بتضييق الخناق على صادراتها.

وتضيف هاري أن شراكة الطاقة بين الهند وروسيا ستواجه بلا شك تحديات خلال الأشهر المقبلة، فمع خروج شركات مثل "بريتيش بتروليوم" و"شل" و"إكسون موبيل" من روسيا، سيعاني قطاع الطاقة في روسيا (والمشاريع التي استثمرت الهند فيها) من فراغ في التمويل والخبرة. كما أن العثور على مستثمرين جدد لن يكون سهلا مع موسكو التي تخضع للعقوبات، إضافة إلى أنه لن يكون من مصلحة الهند السماح لشركات صينية التحرك بحرية لملء هذا الفراغ.

وفي حين يرى خبراء أن حظر الاتحاد الأوروبي للتأمين على ناقلات النفط الروسي، والذي سيبدأ العمل به نهاية العام، سيضر بقدرة الهند على استيراد الخام الروسي، إلا أن آخرين يرون أن تحركات الغرب الأخيرة محيرة للغاية، حيث قد يؤدي اقتراح مجموعة الدول السبع بشأن تحديد سقف لسعر النفط الروسي المنخفض بالفعل إلى زيادة الطلب على خام الأورال الروسي.