في Tuesday 5 September, 2023

غياب بايدن عن قمة «آسيان».. هل يدفع التكتل ثمن الحياد؟

كتب : زوايا عربية - متابعات

دفع غياب الرئيس الأميركي جو بايدن عن قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، كبار الدبلوماسيين السابقين في المنطقة، إلى التشكيك في نفوذ الكتلة وفشل استراتيجية الحياد، بحسب "بلومبرغ".

وعلى مدار أكثر من عقد، ضَمن تمدد مظلة "آسيان" لتشمل الولايات المتحدة، عقد لقاء منتظم مع الرئيس الأميركي، وهو ما لن يحدث هذا العام، إذ انتدب الرئيس الأميركي نائبته كامالا هاريس للحضور، قبيل ذهابه إلى اجتماع مجموعة العشرين في الهند، ليتجه بعدها إلى فيتنام التي لا تبعد كثيراً عن جاكرتا.

ومن المقرر أن يزور بايدن العاصمة الفيتنامية هانوي، الأحد، حيث يستعد الطرفان لتعزيز علاقاتهما بدرجة كبيرة. وعلى الجانب الآخر تخطط بكين لإرسال لي تشيانج إلى جاكرتا، في أول مشاركة له على المستوى الدولي كرئيس للوزراء.

وامتنعت "آسيان"، التي تضم 10 دول، لسنوات عن الاختيار بين حليفها الأمني الأكبر على الإطلاق ممثلاً في الولايات المتحدة من جانب وحليفها الاقتصادي الأهم على الإطلاق ممثلاً في الصين من الجانب الآخر، حيث عمدت الكتلة إلى "سياسة عدم انحياز جماعية، ما أسهم في خلق مساحة أمان نادرة يجتمع عندها الخصوم الجيوسياسيون"، وفقاً لـ "بلومبرغ".

وقالت الوكالة، إن "احتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أظهر بجلاء المخاطر المصاحبة عادةً للوقوف على الحياد"، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية خدمت مصالح الرابطة في الماضي.

وأوضحت: "بينما تمضي بكين قدماً في مطالبتها بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، تعيد الولايات المتحدة، تشكيل خارطة تحالفاتها الإقليمية في محاولة لبناء شبكة أمنية جماعية تقول الصين إنها تهدف إلى احتواء صعودها".

وذكرت الوكالة أن الدول "العالقة في المنتصف" مثل الفلبين وفيتنام، تعمل على توثيق ارتباطها بالولايات المتحدة وحلفائها.

انفصال عن الواقع
في هذا السياق، قال سكرتير الشؤون الخارجية السابق في سنغافورة، بيلاهاري كوسيكان، لـ"بلومبرغ"، إن "آسيان لم تتكيف بالسرعة الكافية مع البيئة الاستراتيجية سريعة التطور"، مضيفاً: "لن تكون مهماً ومركزياً وأنت تكتفي بالجلوس وطرقعة الأصابع وتكرار ما تفعله".

ورغم أن غياب بايدن عن قمة آسيان هذا العام يُعد "أكثر إحباطاً للمنطقة من عادة التهرب من هذه الاجتماعات، التي بدأها دونالد ترمب (الرئيس الأميركي السابق)"، إلا أنه "في هذه المرة يلقي الدبلوماسيون باللائمة على الكتلة دون غيرها"، وفقاً لـ"بلومبرغ".

وزير خارجية إندونيسيا السابق، مارتي ناتاليجاوا، اعتبر أن ما يحدث "يجعل السؤال بشأن أهمية آسيان أكثر إلحاحاً"، مضيفاً أن "التكتل سمح لهذه الاجتماعات بأن تكون آلية وإجرائية للغاية، ومنفصلة بدرجة كبيرة عن الديناميكيات الأساسية الأكثر أهمية لمنطقتنا".

وعلى عكس منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإن أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا غير ملتزمين بالذهاب إلى الحرب في حال تعرض إحدى دول الرابطة لهجوم عسكري.

"خريطة صينية جديدة"
وفي حين تتجنب السياسة الخارجية للرابطة، تحول المنطقة إلى ساحة معركة جيوسياسية، إلا أن المصالح المتضاربة تقف حائلاً أمام الوصول إلى إجماع قوي بشأن التهديدات القائمة منذ فترة طويلة.

ولا يتجلى ذلك في أي بقعة أكثر مما يتجلى في بحر الصين الجنوبي الغني بالنفط والغاز، حيث أجبرت التوغلات المنتظمة التي تقوم بها السفن الصينية الفلبين وفيتنام على تعزيز مطالبهما بالسيادة. وفي الأسبوع الماضي انضمت الدولتان إلى الهند في معارضة "الخريطة الصينية الجديدة".

ولم تنتقد "آسيان"، الصين، في أوقات التوتر. كما أنه رغم مرور عقدين على مفاوضات بشأن "مدونة قواعد السلوك تجاه بكين"، التي تهدف إلى وضع قواعد مشاركة بحرية، "لم يحدث أي تقدم".

وتمتد الانقسامات داخل "آسيان" أيضاً إلى كيفية التعامل مع المجلس العسكري في ميانمار، بسبب خلاف الفصائل التي تقودها إندونيسيا وتايلندا، في ظل تفاقم أعمال العنف.

القبضة الأميركية
في هذه الأثناء، عملت الولايات المتحدة على تعزيز قبضتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بوجه عام، ففي الشهر الماضي ساعد بايدن في إحداث انفراجة دبلوماسية بين اليابان وكوريا الجنوبية بعد سنوات من العلاقات الفاترة. كما وقعت واشنطن اتفاقية جديدة مع بالاو (دولة جزيرة غرب المحيط الهادئ) تعهد إليها بفرض قواعد بحرية في هذه الجزيرة الصغيرة.

والأسبوع الماضي، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، رداً على الانتقادات التي أثارها تخلف بايدن عن الذهاب إلى جاكرتا، إنه "من المستحيل أن تنظر إلى السجل الذي أنجزته هذه الإدارة ثم تقول ببساطة إننا ننسحب".

من جانبها، رأت "بلومبرغ"، أن "هناك اعتبارات أخرى لدى بايدن". مشيرة إلى أن قمة آسيان تنطلق في اليوم الذي تحتفل فيه الولايات المتحدة بعيد العمال، وهو وقت بالغ الأهمية لبايدن للتقرب إلى العمال ذوي الياقات الزرقاء على الأراضي الأميركية، وجذب الناخبين الرئيسيين إلى حملة إعادة انتخابه في 2024.

أما بشأن إندونيسيا، باعتبارها الرئيس الدوري لآسيان هذا العام، فإن هذا التجاهل يؤثر على ما وصفه الرئيس، جوكو ويدودو، بـ"الثقة الدولية المتزايدة" في بلاده، بعد أن استضافت اجتماعاً بين الرئيسين الأميركي والصيني على هامش قمة العشرين، العام الماضي.

ومع إشارة آخرين إلى حقيقة أن جاكارتا عينت 4 سفراء مختلفين في واشنطن منذ بداية عام 2019 في الوقت الذي تحتفظ فيه بعدم انحيازها الاستراتيجي، فإن فترة وجودها في بقعة الضوء العالمية تبدو قصيرة الأجل.

في هذا الإطار أعرب ناتاليجاوا، وزير خارجية إندونيسيا السابق، عن دهشته، وتساءل: "إلى أي مدى تتمتع إندونيسيا بالثقل الكافي داخل أروقة السلطة في واشنطن بحيث تعجز عن إقناع رئيس الولايات المتحدة بالتوجه إلى ما يمكن وصفه بالاجتماع الأهم على الإطلاق في المنطقة".

وأضاف: "هذه دعوة للاستيقاظ لجاكرتا لأن المزيد من هذا التراجع لن يكون جيداً".

وتأسست "آسيان"، التي تعد سابع قوة اقتصادية في العالم، عام 1967، وتضم كلا من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلندا والفلبين وبروناي وفيتنام ولاوس وبورما وكمبوديا.