في Wednesday 22 May, 2019

فورين بوليسي: أردوغان يخطط لحرب في منطقة "الغاز"

يدق رجب إردوغان طبول الحرب في منطقة شرق البحر المتوسط، للخروج من أزماته الداخلية، وعلى رأسها الاقتصاد المتدهور، وشعبيته المتراجعة، بعد نتائج انتخابات البلديات المخيبة لآمال أنصاره.

عمل عسكرى طائش ضد قبرص أو اليونان، قد يكون السيناريو الأقرب للتنفيذ، يضمن به إردوغان صمت معارضيه فى الداخل، واصطفاف الأتراك خلفه، فى حرب سيتعامل معها إعلام العدالة والتنمية على أنها مهمة مقدسة ضد الغرب المتربص بدولة الخلافة.

فما بدا أنه انتصار لديكتاتورية إردوغان على إرادة الناخبين، بإعادة الاقتراع في إسطنبول، تحول إلى كابوس، بعد كشف نتائج استطلاعات الرأى عن تزايد فرص مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو.

خسارة رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، في انتخابات 23 يونيو، ستفتح الجدل مجددا حول انتكاسة الحزب الحاكم فى انتخابات 31 مارس الماضي، وفقدانه البلديات الكبرى، كما أن انتصار المعارضة فى إسطنبول سيفتح جرح الأزمة الاقتصادية، وتهاوي الليرة، ودخول البلاد فى مرحلة ركود وانكماش، إلى جانب تصاعد الخلافات مع الغرب على خلفية صفقة S-400، فضلًا عن خسارة إردوغان علاقاته بالدول الكبرى في الوطن العربي بسبب دعمه للإرهاب.

وسط هذا الفشل الداخلي والخارجي، بات إردوغان أضعف من أي وقت مضى، وهو ما دفع مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إلى توقع شن نظام أنقرة عدوان خارجي، ضد قبرص واليونان، للخروج من أزماته، وتوحيد الأتراك خلف تهديد أجنبي وشيك.

في تقرير نشرته الأربعاء، دعت المجلة الأمريكية دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه عربدة أنقرة في شرق البحر المتوسط وبحر إيجه، للاستيلاء على نفط وغاز قبرص، والحيلولة دون تصعيد النزاع بما يسمح لديكتاتور أنقرة لتحويل الانتباه عن فشله الداخلي.

في 12 مايو الجاري، أعلن وزير المالية والخزانة التركي بيرات ألبيراق، أن بلاده ستقوم قريبًا بإرسال سفينة حفر لاستغلال موارد الغاز الطبيعي في منطقة مملوكة لقبرص، وفي اليوم التالي أجرت تركيا مناورات ذئب البحر (سي وولف) وهي أكبر مناورات بحرية سنوية في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط.

المناورات تُنفذ بشكل متزامن في البحر الأسود، وإيجة، وشرق المتوسط، بمشاركة 131 سفينة بحرية، و57 طائرة، و33 مروحية، وتستمر لمدة 12 يوما، وتنتهي في 25 مايو الجاري.

وفي 14 مايو الجاري، حلقت طائرتان تركيتان من طراز F-16، فوق جزيرتي أوينوسيس وخيوس شرق بحر إيجة في انتهاك صريح للمجال الجوي اليوناني.

"فورين بوليسي" قالت إن تأجيج التوترات بشكل دوري مع اليونان وقبرص كان دائمًا في صميم استراتيجية السياسة الخارجية لتركيا، لكن هذه المرة الوضع مختلف، حيث تشير الدلالات إلى استعداد أنقرة لتصعيد مواجهتها بما يتجاوز التصريحات.

لفتت إلى جملة من الأسباب التي تزيد من مخاوف اتخاذ أنقرة إجراءات عدوانية تجاه جيرانها الأوروبيين، منها إصرار نظام إردوغان على المضي قدمًا في صفقة الصواريخ الروسية S-400، فضلًا عن معضلة خسارة بلدية إسطنبول والتحايل من أجل إعادتها.

صفقة شراء S-400 كانت مصدرًا للتوترات لنظام إردوغان، حيث تعتقد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أن منظومة الصواريخ الروسية حال نشرها، ستمنح منظومات موسكو فرصة الدخول إلى البيانات الحساسة للحلف، وهو ما يسهل مهمة تحديد مواقع الطائرات من طراز F-35 التي تتطلع أنقرة لشرائها من الغرب.

تزعم تركيا أن تلك المخاوف مبالغ فيها، إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من تهديد أنقرة بطردها من برنامج F-35 وفرض عقوبات إضافية عليها.

"فورين بوليس" أشارت إلى أن كل ما سبق يمكن اعتباره جزءا من العلاقة المعقدة بين الغرب وتركيا، في أعقاب أحداث احتجاجات منتزه جيزي قبل 6 أعوام، والتصعيد في سورية، عندما بدأ إردوغان في تنفيذ أجندته التوسعية، مستعينا بجماعات تكفيرية.

لكن الانتخابات الأخيرة، وخسارة الحزب الحاكم بلدية إسطنبول، المعقل السياسى للرئيس، دفعته لإجبار اللجنة العليا للانتخابات على إعادتها في يونيو المقبل، لكن المؤشرات حتى الآن غير مطمئنة للعدالة والتنمية، بعد أعلنت جميع أحزاب المعارضة دعمها مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، الفائز في الجولة الأولى.

كل هذه التجاذبات تأتى في ظل تراجع الاقتصاد التركي، الأمر الذي انعكس على سعر الليرة، ولفتت المجلة إلى أن إردوغان لم يكن مستعدًا بشكل واضح لكل هذه التطورات، وقالت "لذلك فربما يستفيد الأتراك في نهاية المطاف من الضعف المفاجئ لرئيسهم المستبد".

حوادث التاريخ تقول إن القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة، يكون لديهم حوافز لاستعراض القوة، وتوحيد قاعدتهم خلف تهديد أجنبي وشيك، فورين بوليسي ترى أن لدى إردوغان جميع الأسباب لإثارة العداوات مع اليونان، فهى خصم تقليدي، وحليفًا قويا لقبرص.

أنقرة لن تسمح لقبرص بالاستفادة من احتياطيات الغاز الطبيعي في مياهها، دون مواجهة من نوع ما، استمرارا لاستراتيجية تركيا في بحر إيجة منذ عدة عقود، فهي تمارس الضغوط وتطرح المطالب، وتنتظر حدوث أزمة، ومن ثم تحضِر الطرف الآخر على الطاولة بشروطها، وهذا هو ما تحاول القيام به حاليا في حالة قبرص، حسب المجلة الأمريكية.

في 15 من مايو الجاري، قال الصحافي اليوناني أليكسيس باباكيلاس، معلقًا على سياسة أنقرة تجاه ثروات قبرص، إن ما يتكشف أمام أعيننا هو استراتيجية ممنهجة، وضعتها تركيا للتشكيك في الوضع الراهن في منطقتي بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، لافتًا إلى أن جميع الأدلة تشير إلى وصول التوترات إلى ذروتها الخريف المقبل.

المجلة الأمريكية لفتت إلى صعوبة توقع حدود المواجهة بين تركيا من جانب، وقبرص واليونان من جانب أخر، في ظل ابتعاد إردوغان بشكل مستمر عن المؤسسات الغربية، المرتبطة بحلف الناتو، والمؤسسات التي كانت تطمح أنقرة لأن تصبح جزءا منها، كالاتحاد الأوروبي، وتقربه في الوقت نفسه من روسيا، ومحاولة تصوير نفسه كزعيم إقليمي في الشرق الأوسط.

فورين بوليسى لفتت إلى أن قبرص واليونان تتمتعان حاليًا بوضعية جيدة داخل الاتحاد الأوروبي، كما أن أثينا اقتربت من الولايات المتحدة وحلف الناتو بشكل أكبر، إلى جانب عمل رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس على تطوير علاقات أقوى مع شركاء قبرص، في مشاريع الغاز الطبيعي.

وقالت إن أوروبا مطالبة بدور مهم للحيلولة دون اندلاع أي صراع محتمل في منطقة شرق المتوسط وبحر إيجه، وفي هذا الإطار، عبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، عن بالغ قلقها من خطط إردوغان، ودعت الأسبوع الماضي تركيا لممارسة ضبط النفس، واحترام سيادة قبرص في منطقتها الاقتصادية، والامتناع عن أي عمل غير قانوني، وهددت أنقرة بـ"الرد المناسب".

في يناير الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يدعم حق قبرص في مخزونات الغاز قرابة سواحلها في المتوسط، رغم الاعتراضات التركية.

"فورين بوليسي" قالت إنه من غير المرجح أن يكون النهج الحالي للاتحاد الأوروبي لحماية حدوده كافيا لردع إردوغان، لافتة إلى وجود مخاطر جيوسياسية أكبر تهدد أوروبا.

وأوضحت أنه في حالة حدوث تصعيد، بما في ذلك أي نوع من الصراع العسكري، فإن تردد حلفاء قبرص واليونان الأوروبيين، تجاه مغامرات تركيا، سيخلق مزيدا من الشكوك حول فعالية حلف الناتو.

ودعت أوروبا إلى الرد على استفزازات الرئيس التركي، واتباع نهجا متوازنا حازما تجاهه، لا يترك مجالا للشك في أن قبرص واليونان لديهما حلفاء، وهو الأمر الذي سيكون له بالغ الأثر في الحيلولة دون حدوث تصعيد، وسيكون أكثر فاعلية من محاولة استرضاء إردوغان.