آخر الأخبار
محمد أبوالفضل

كاتب مصري

حذر مصري في التقارب مع إيران

تزايد الحديث حول عودة العلاقات بين مصر وإيران في الفترة الماضية، وجرت الإشارة إلى تبادل الرسائل الإيجابية بين البلدين من خلال سلطان عمان هيثم بن طارق الذي قام بزيارة إلى القاهرة ثم طهران وقيل إن هناك تجاوبا مشتركا.

مضى نحو شهر على هذه الزيارة المهمة ولم تصدر تصريحات رسمية من قبل أي مسؤول مصري توحي بوجود تحركات عملية تتواءم مع التصريحات الإيرانية التي أوحت بأن تطبيع العلاقات طلب مصري وأصبح قريبا.

آخر هذه التصريحات ما قاله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في لقاء نظمته وزارته الخميس، وحضره سفراء الدول الإسلامية المعتمدون لدى طهران، من أن بلاده ترحب بتطبيع وتطوير العلاقات مع دول المنطقة والعالم، وخص بالذكر مصر والمغرب.

جاء هذا التصريح بعد عدة إشارات من مسؤولين كبار بطهران أكدوا فيها أهمية عودة العلاقات مع القاهرة، بينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ما يدل على حرص طهران على طي الصفحة الماضية مع القاهرة.

لم يتحدث مسؤول كبير أو صغير في القاهرة عن رفض التجاوب مع طهران، لكن أيضا لم يتحدث أحد بشكل معلن وصريح كما هو حاصل في إيران، وجاءت إجابة وزير الخارجية سامح شكري عن سؤال حول مصير العلاقات بين البلدين بعد أن زادت الرسائل الإيرانية “الفضفاضة” والدالة على عدم وجود تطورات ملموسة جديدة.

تجاوز شكري النفي القاطع للتحسن، وتخطى التأكيد الجازم بأن العلاقات تسير على وتيرة جيدة، ولا يزال الصمت مخيما في القاهرة، على الرغم من عدم توقف رسائل طهران، والتي تنطوي على مضامين بأن هناك حوارات مشتركة بين الجانبين.

ومع أنه لا أحد يعلم طبيعتها ومحتواها بالضبط أو المدى الذي وصلت إليه النقاشات، غير أن ثمة معلومات عراقية تسربت بشأن استضافة بغداد لمسؤولين من البلدين أكثر من مرة في الفترة الماضية للتباحث حول عودة العلاقات بين القاهرة وطهران.

يوحي التزام الدبلوماسية المصرية الصمت باستمرار الخلاف حول بعض القضايا الشائكة، وأن الأمر يمكن أن يستغرق وقتا للوصول إلى تفاهمات مشتركة، على عكس الحالة السعودية – الإيرانية التي كانت الكثير من تفاصيلها معلنة، وجرى نشر معلومات غزيرة عقب كل جولة تفاوضية، حتى جرى تطبيع العلاقات بين الجانبين.

تشير المقارنة بين الحالتين السعودية والمصرية إلى خصوصية كلتيهما في القضايا محل الخلاف مع طهران، والآليات السياسية والأمنية المطلوبة لتسويتها، والحدود التي يمكن أن يقبلها كل طرف، والأهداف النهائية من مقاربة كل جانب ودرجة الإلحاح في التوصل إلى تسوية مرنة وعلاقاتها بالأوضاع الإقليمية والدولية.

تختلف حسابات القاهرة عن الرياض، وإن تقاطعت معها نسبيا في فكرة تخفيف حدة العداء مع طهران بالأدوات الناعمة كمدخل لحل بعض الخلافات التي لم يتم حلها بالدبلوماسية الخشنة، وفي الحالة المصرية أيضا لا يوجد استعجال في التطبيع أو نهم نحو تسوية غير مشروطة قد يعقبها ندم إذا لم تقدم طهران ما يلزم من تعهدات قاطعة نحو التزام الهدوء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتغذية بعض الصراعات وتوظيف الطابع الأيديولوجي فيها.

تتبنى القيادة المصرية ما بات يعرف بـ”الصبر الإستراتيجي” في التعاطي مع بعض المواقف الإقليمية والدولية ما لم تكن هناك عوامل تدفعها إلى التعجل في تدشين تصورات جديدة وإحداث تغيير واضح في المستوى الراهن من التفاعل، طالما أنه لا يمثل عائقا أو كابحا أو ضررا لتصرفاتها.

تعد فكرة الصبر الإستراتيجي مع إيران منتجة كثيرا لمصر، لأن كل طرف يعرف حدود الآخر، ولم تتجاوز طهران بحق القاهرة أو تسلك طريقا يضر بمصالحها منذ حوالي عشر سنوات، فالهدوء الظاهر على السطح وعدم الدخول في مناوشات والتفاهمات الضمنية في بعض التطورات الإقليمية تبدو مرضية لمصر.

لم يظهر الخطاب الإيراني مطالب محددة من مصر، وكل ما يمكن استشفافه منه هو أن تطوير العلاقات يخرج من رحم استدارة إقليمية عامة لن تكتمل ملامحها وتحقق أغراضها السياسية في غياب الوصول إلى تحسن ملموس مع القاهرة، لأن التقاطعات السلبية أو القضايا الخلافية لن يتم حلها بشكل نهائي، وقد يتم التوصل إلى قواسم مشتركة بشأنها، لكن في لحظة معينة يمكن أن تضرب طهران بها عرض الحائط.

ينصب التركيز على الجانب الإيراني، لأنه الطرف المبادر دوما بحشر أنفه في كثير من القضايا الإقليمية والداخلية التي تهم بعض الدول العربية، بينما مصر لا تتدخل أو تعتدي أو تحرض أو تقوم بتوظيف ميليشيات مسلحة لصالحها، ما يفسر لماذا تأتي دائما المبادرة من طهران للتطبيع مع دولة مثل مصر لم تضبط بممارسة أي من الألاعيب الإيرانية القذرة في المنطقة.

يأتي الحذر في التقارب مع إيران من خارج البعد الأمني وما يمثله التقدير السابق حول تحديات التمدد الشيعي، فالبيئة المصرية على قدر من الوعي حاليا لعدم التجاوب مع هذا المحدد، وأي تطبيع سيكون مرهونا بعدم ممارسة الطقوس الشيعية في البلاد.

كما أن فكرة الهواجس الأمنية خفتت حدتها وانطفت جذوتها عقب تمكن الأجهزة المصرية من إحكام سيطرتها على الجماعات المتطرفة والقضاء على فلولها في سيناء وغيرها، ويسهم تجفيف منابع الإرهاب في إنهاء عملية الاستثمار المعتادة من قبل إيران لذوي الميول الإسلامية، سنية أو شيعية.

إذاً الحذر المصري يبتعد كثيرا عن المخاوف التقليدية، ولم يعد اسم شارع خالد الإسلامبولي في طهران عائقا أو مقبرة للشاه محمد رضا بهلوي في القاهرة مطبا، فقد أخذت العلاقات شكلا أعمق يتعلق بطبيعة الأجواء الإقليمية والدولية، والحاجة التي يضيفها التحسن إلى كل طرف، والخسائر الناجمة عن الخصومة المفتوحة.

وسواء تم تطبيع العلاقات بين البلدين سريعا أو ظل الموقف على ما هو عليه من هدوء، لن تصل إلى المستوى الذي يحولها إلى تحالف بينهما أو تنحدر إلى المصير الذي يجعلها تنتقل إلى خانة العداوة المفرطة، حيث توصل الطرفان إلى صيغة مريحة تجعل كليهما يحقق أهدافه بالطريقة التي لا تؤدي إلى صدام مع الآخر، وهو ما يعني عدم الحاجة إلى الاستعجال في عملية التطبيع.

ربما تتريث القاهرة إلى حين توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، وربما تنتظر اختبار نتيجة التطبيع مع الرياض بعد مرور عام أو أكثر، وفي الحالتين سوف تحافظ العلاقات على الهدوء الذي يمثل راحة لمصر التي تنصب أولوياتها على حل أزمتها الاقتصادية الحادة، ولا تريد تغييرا في صورة علاقاتها الإقليمية قد يحمل ارتدادات عنيفة تؤثر على حساباتها الحالية.


عن صحيفة العرب الدولية

مصر والشرق الأوسط ملفات خاصة اليمن تحالفات مشبوهة العراق وسوريا رياضة