في Thursday 9 September, 2021

أزمة رئيس المخابرات.. حلقة من صراع دستوري متجدد بالصومال

رئيس الاستخبارات فهد ياسين حاج - الأرشيف
كتب : زوايا عربية - وكالات

لا تهدأ دوامة الصراعات السياسية في الصومال بسبب تضارب الصلاحيات بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والرئاسية نتيجة الدستور المؤقت إلى جانب غياب المحكمة الدستورية.

وأثار قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، مؤخرا، توقيف رئيس الاستخبارات فهد ياسين حاج عن العمل وتعيين بشير محمد جامع خلفا له جدلا دستوريا حول صلاحيته في هذا الأمر والبنود الدستورية الذي استند إليها.

وما يشير إلى عمق تلك الأزمة، المرسوم الرئاسي الذي صدر، الأربعاء 8 سبتمبر 2021، وقرر فيه الرئيس محمد عبد الله فرماجو "قبول الاستقالة التي قدمها فهد ياسين حاج وعين مكانه ياسين عبد الله محمد مدير مخابرات إقليم بنادر (بالعاصمة مقديشو) "بشكل مؤقت وفق الدستور المؤقت في البلاد".

وبحسب قانونيين فإن الأزمة الحالية بين روبلي ورئيس البلاد حول صلاحية توقيف أو إقالة رئيس المخابرات، تأتي ضمن تضارب الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والرئاسية حيث يعطي الدستور المؤقت كلاهما جزءا من صلاحية إقالة وتعيين كبار مسؤولي الدولة وهو ما يعمق أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية.

ولطالما ناشد قادة البلاد وآخرهم الرئيس الحالي محمد عبدالله فرماجو، باستكمال الدستور المؤقت في البلاد للحد من الخلافات الدستورية بين مؤسسات الدولة إلا أنهم فشلوا على مدار 9 سنوات في ذلك، الأمر الذي يضع عقبات لحل مثل هذه الخلافات المعقدة.

ورأى بعض الخبراء والمختصين إلى أن روبلي لديه صلاحية لإيقاف المسؤولين الأمنيين عن العمل، بينما أكد آخرون أن فرماجو وحده يتمتع بتلك الصلاحيات.

صلاحية من؟
يقول المحامي عبدالقادر سومني للأناضول إن بياني مكتب رئيس الحكومة والرئاسة الصومالية المتضاربين حول قضية توقيف رئيس المخابرات استندا إلى بنود دستورية تثير الخلافات حول تفسيرهم لكن وفق المادة 99 بفقرتها 6 تشير إلى صلاحية رئيس الوزراء في إيقاف رئيس المخابرات وليس بإقالته.

وأشار المحامي إلى أن قرار إيقاف رئيس المخابرات وتعيين بشير محمد جامع بشكل مؤقت يرمي إلى كشف ملابسات قضية الموظفة المفقودة (إكرام تهليل) والحرص على شفافية التحقيقات لطمأنة أهالي الموظفة والعمل على إعادة سمعة المخابرات الصومالية.

وفي يونيو الماضي، اختفت إكرام تهليل الموظفة بقسم الأمن السيبراني للمخابرات الصومالية في ظروف غامضة، قبل أن يعلن جهاز المخابرات، الخميس الماضي، أنها وقعت في أسر مقاتلي حركة "الشباب"؛ قبل قتلها على أيديهم، غير أن الحركة نفت من جانبها تورطها بمقتل الموظفة.

وتابع سومني أنه بعد انتهاء التحقيقات قد يعود رئيس المخابرات إلى عمله لكن في حال أراد رئيس الوزراء إقالته يتعين عليه وفق الدستور تقديم اقتراح للرئيس الذي لديه صلاحية تعيين وإقالة المسؤولين الأمنيين وفق المادة90 بفقرتها الـ10 من الدستور المؤقت.

بينما يرى المحلل السياسي عبدالرحمن معلم أن توقيف وإقالة المسؤولين الأمنيين ليس من صلاحيات رئيس الوزراء وفق الدستور، والبنود الدستورية الذي استند إليها لا تنص على أي صلاحية له في هذا الموضوع.

وأكد أن الدستور المؤقت في البلاد يعطي الرئيس وحده صلاحية تعيين وإقالة كبار مسؤولي الدولة بناء على توصيات مجلس الوزراء.

إلا أن المحامي عبدالقادر قال للأناضول إن المشكلة الرئيسية في الأزمة الحالية هي الدستور المؤقت في البلاد لأن المادة 99 و 90 منه تنصان على صلاحية كل من مجلس الوزراء والرئاسة تعيين وإقالة كبار مسؤولي الدولة وهو ما أثار جدلا دستوريا يصعب البت فيه في ظل غياب المحكمة الدستورية.

وأضاف أن المشكلة تكمن أيضا في طبيعة جهاز المخابرات هل هو تابع للمؤسسة العسكرية ويخضع لصلاحية الرئاسة الصومالية أم هو مؤسسة مدنية تابعة لوزارة الأمن ويخضع لصلاحية رئيس الحكومة حيث كان الجهاز مدنيا في عهد الحكومات المدنية بعد الاستقلال 1960 وتحولت تبعيته للمؤسسة العسكرية بعد انقلاب محمد سياد برى (1969- 1991).

وسبق أن شهدت البلاد نفس هذه الحادثة عام 2016 بعد أن أقدم مجلس الوزراء على إقالة رئيس جهاز المخابرات الأسبق عبدالله محمد علي وهو ما رفضه الرئيس آنذاك حسن شيخ محمود بذريعة أن مجلس الوزراء ليس من صلاحيته إقالة المسؤول وعليه تقديم مقترح في هذا الأمر لكنه قبل أخيرا تفاديا عن أزمة خلافات سياسية مع رئيس وزرائه.

أزمة دستورية
يرى النائب السابق في البرلمان الصومالي محمد أمين للأناضول أن مشكلة الدستور المؤقت هي العقبة الرئيسية في أن تبقى البلاد في دوامة أزمة تضارب الصلاحيات مما يعطل العجلة الاقتصاد والسياسية والأمنية في البلاد منذ 2012.

وأضاف أمين أنه بعد المصادقة على الدستور المؤقت 2012 من قبل المجلس الوطني العمومي (ممثل لجميع شرائح المجتمع) يتولى البرلمان التاسع مسؤولية مراجعة الدستور والفصل بين السلطات لكنه لم ينجح وتم نقل المسؤولية إلى البرلمان العاشر الحالي ولم ينجح أيضا في استكماله، ما أدى إلى استمرار الخلافات بين السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد دون فيصل.

وأشار إلى أن مهمة استكمال الدستور المؤقت في البلاد انتقلت بعد انتهاء مدة البرلمان الحالي إلى البرلمان الحادي العاشر الذي سينتخب في الانتخابات الجارية وهو ما لا يتوقع استكماله في ظل سعي قادة البلاد إلى تحقيق مصالح ضيقة، حسب البرلماني السابق.

وحول أسباب عدم استكمال الدستور المؤقت في البلاد، قال أمين إن عدم التوافق بين الكتل البرلمانية هي العقبة الرئيسية أمام استكمال الدستور المؤقت في البلاد لأن هناك مصالح ضيقة بالنسبة للولايات الفيدرالية والجهة الحاكمة إلى جانب المجتمع الدولي الذي يرى في ملف الدستور مشروعا مربحا.
وأوضح أن هذه العقبات تشكل تحديا أمام توصل البرلمان إلى اتفاق شامل على استكمال الدستور ما يعني إطالة الأزمة السياسية في البلاد.

أما فيما يخص المحكمة الدستورية أشار النائب السابق أمين، إلى أن المحكمة هي الفيصل حول مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والنزاعات بين الحكومة والولايات الفيدرالية المحلية، وغير ذلك من الأمور الشائكة والمعقدة في بنود وتفاصيل الدستور والقوانين.

ولفت إلى أن غياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يساهم في استمرار الخلافات الدستورية، مشيرا إلى أن كل المحاولات في تشكيل تلك المحكمة في البلاد باءت بالفشل نتيجة عدم مصادقة البرلمان عليها لأسباب تخضع لمصالح جهة معينة (لم يحددها).

والمحكمة الدستورية، هيئة قضائية صدر قانونها الأساسي عام 2016، وتضم 5 قضاة بمن فيهم رئيس المحكمة ونائبة.

تداعيات سياسية
ويرى الصحفي والمحلل السياسي محمد عبدي أن الأزمة السياسية التي خلفت قضية إقالة رئيس المخابرات تخيم ظلالها على الشأن السياسي والانتخابي في البلاد الذي يمر في مرحلة انتقالية خطيرة.

وأشار إلى أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد لا تحتمل مزيدا من التعقيدات التي تعيق جهود استكمال استحقاق الانتخابات وتخلق اضطرابات أمنية، والتي قد تسفر عن نتائج عكسية للاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

وأضاف عبدي أن الأزمة الحالية قد تدخل البلاد في مرحلة محمولة على المجهول، وقد تبعث برسائل سلبية وغير مطمئنة للداخل والخارج، ما لم يبدِ الطرفان تنازلات خدمة لمصلحة الوطن والمواطنين.

وكانت كتلة اتحاد المرشحين المحتملين في سباق الرئاسة الصومالية أبدت في بيان لها، الإثنين، مخاوفها من أن تؤثر الأزمة الدستورية السياسية الجديدة على مجريات الانتخابات الجارية، داعية جميع الأطراف للابتعاد عن كل ما من شأنه أن يضرب العملية السياسية في البلاد.

وبدأت الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ (الغرفة العليا للبرلمان، 54 عضوا) في 25 يوليو/ تموز الماضي.

ومن المتوقع أن تستكمل منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، بينما تنطلق انتخابات مجلس الشعب (الغرفة السفلى للبرلمان، 275 عضوا) في 1 أكتوبر/ تشرين الأول وستستمر حتى 20 نوفمبر/ تشرين ثاني، فيما لم يحدد بعد موعد الانتخابات الرئاسية جراء خلافات بين قوى البلاد.