في Tuesday 5 October, 2021

بلا مذكرات.. لماذا يرحل صانعو تاريخ الجزائر بصمت؟

الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة
كتب : زوايا عربية - وكالات

بعد صراع مع المرض، رحل رئيسان سابقان للجزائر حاملان معهما أسرار مرحلة طويلة، دون أن يتركا مذكرات توثق سيرتهما وتاريخ البلاد، ليُعاد طرح سؤال: لماذا يرحل المسؤولون الجزائريون في صمت؟

في 18 سبتمبر/ أيلول الماضي، توفى الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة عن 84 عاما، بعد مسيرة حافلة بالأحداث، وعقب عامين على نهاية حكمه؛ إثر انتفاضة شعبية أطاحت به في أبريل/نيسان 2019.

بوتفليقة وابن صالح
بوتفليقة (1937-2021) هو أكثر رؤساء الجزائر مكثوا في الحكم (1999-2019)، وهو أيضا أصغر وزير خارجية في الجزائر المستقلة، وأول رئيس يُسقطه الشارع.

ولد بوتفليقة في 2 مارس/آذار 1937 من أب وأم جزائريين، بمدينة وجدة المغربية على الحدود مع الجزائر، وهو أحد من عايشوا أغلب فترات الحكم منذ استقلال بلاده عام 1962.

التحق بثورة التحرير ضد فرنسا عام 1956، وعُيّن وزيرا للشباب والرياضة في أول حكومة بعد الاستقلال وعمره 25 سنة، كما قاد وزارة الخارجية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1979).

وفي 1980، غادر بوتفليقة إلى منطقة الخليج، ليعود عام 1998 كمرشح لرئاسة البلاد، خلفا لليامين زروال، الذي استقال، وبالفعل تقلد بوتفليقة الرئاسة في أبريل/ نيسان 1999.

وبعد 20 عاما في الحكم، أجبرت انتفاضة 22 فبراير/شباط 2019 بوتفليقة على الاستقالة، في أبريل من العام نفسه.

وبعد 6 أيام من وفاة بوتفليقة، توفى عبد القادر بن صالح عن 80 عاما، وهو من تولى رئاسة الدولة مؤقتا، مطلع أبريل 2019، تحت ضغط حراك شعبي.

و"ابن صالح" (1941-2021) من أبرز وجوه النظام الجزائري، ومن مؤسسي التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أقوى أحزاب السلطة.

انتُخب "ابن صالح" في 1977 نائبا برلمانيا لثلاث فترات متتالية، ثم عُيّن في 1989 سفيرا لبلاده لدى السعودية، ومتحدثا باسم الخارجية في العام 1993.

إبّان عهد بوتفليقة تقلّد "ابن صالح" مسؤوليات أبرزها انتخابه رئيسا للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بين 1997 و2002، ثم رئيسا لمجلس الأمة (الغرفة الثانية) بين 2002 و2019.

وجاء رحيل الرئيسين بوتفليقة و"ابن صالح" في صمت، دون أن يتركا مذكرات حول الحكم أو نضالهما السياسي والعسكري، تماما كما الرؤساء الراحلون هواري بومدين ومحمد بوضياف ورابح بيطاط.

3 مذكرات فقط
مذكرات المسؤولين الجزائريين قليلة، وأبرزها مذكرات الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد (1929 - 1979)، وكتبها الصحفي والكاتب عبد العزيز بوباكير، وصدر جزؤها الأول في 2011.

وبحسب مضمونها "تناولت المذكرات حياة الشاذلي: ولادته والتحاقه بالثورة التحريرية (1954-1962)، حتى توليه الرئاسة عام 1979، خلفا للرئيس هواري بومدين".

وكان يُفترض صدور الجزء الثاني في مارس/آذار 2013، لكنه لم ير النور لأسباب غير معروفة.
كما نشر وزير الدفاع الأسبق، خالد نزار، مذكراته في جزأين: "مساري العسكري" و"الفصل السياسي"، عامي 2017 و2018.

وأثارت مذكرات نزار جدلا واسعا؛ بسبب تناولها قضايا مثيرة، مثل استقالة الشاذلي بن جديد، وتوقيف المسار الانتخابي في 12 يناير/كانون الثاني 1992، عقب فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المُحلّ) في الانتخابات البرلمانية.

وقبل وفاته في 16 أبريل/نيسان 2013، أصدر الرئيس الأسبق علي كافي (1992-1994) مذكراته "من النضال السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962"، دون أن ينشر عملا يروي سيرته الذاتية بعد الاستقلال.

عدم التأريخ.. لماذا؟
وقال محمد بوعزارة، سياسي وكاتب، للأناضول، إنه "توجد حقيقة لابد من إقرارها تتعلق بالتحفظ الذي يبديه عديد المسؤولين الجزائريين، بما فيهم بعض الشخصيات الوطنية، فيما يتعلق بكتابة سيرهم وصنع تاريخ هذا الوطن".

وأضاف: "إذا كان المؤرخون النزهاء، ومنهم أجانب، يُقرون أن ثورة التحرير 1954 كانت أكبر ثورة في القرن العشرين، فللأسف لم نعطها ما تستحقه من اهتمام".

وتابع: "كلما توفى مجاهد أو زعيم كبير نتحسر بأنه لم يترك خلفه جزءا ولو يسيرا من تاريخ وملحمات بطولية ساهم في صنعها مع رفاقه".

وأردف بوعزارة، وهو نائب برلماني سابق: "لعل ما قاله المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله، بأننا شعب يحسن صناعة التاريخ ولكننا لا نحسن كتابة هذا التاريخ، تنطبق علينا نحن الجزائريين".

وقال إن "هناك أولا حالة عامة، وهي أن معظم الجزائريين يميلون إلى الحديث أكثر من ميلهم للكتابة".

وأضاف: "من هذا المنظور نحن شعب يعتمد المشافهة بدل الكتابة والتأريخ لأحداثه، بما فيها الأحداث الكبرى، ومن بين الشعارات التي انتهجتها الثورة، هي عبارة: سرّ النجاح السر".

واعتبر أن "بعض صناع التاريخ لا يحبون الحديث عن أنفسهم، ويعتبرون ما قاموا به واجبا تجاه الوطن، وأنهم ليسوا بأحسن من رفقائهم الشهداء، يرون أن الحديث عن سيرتهم هو نوع من الأنانية المفرطة. وهو طرح خاطئ للأسف".

ورأى أن "امتناع المسؤولين عن كتابة سيرهم سببه أيضا الخوف من ردود الفعل التي قد تنتج عن نشرها والوقائع التاريخية التي قد يروونها".

وتابع: "ردود الفعل العنيفة التي تلت حوار الرئيس الراحل أحمد بن بلة لإحدى قنوات التلفزيون، ومذكرات الرئيس الأسبق علي كافي والجنرال خالد نزار.. جعلت بعض الشخصيات تُحجم عن كتابة سيرها، تفاديا لردود فعل مناوئة، وخصوصا أن بعض شهود الذاكرة ما يزالون على قيد الحياة".

وشدد على أن "الخوف من كتابة التاريخ يجعلنا نخاف على ضياع تاريخ هذا الوطن، خاصة أن الموت بات يطال الشخصيات التي ساهمت في صنعه".

واعتبر أن "تقّدم بعض الشخصيات في السن يجعل كتابة مذكراتها عملية صعبة، لأن الذاكرة لم تعد تُخزن معلومات كثيرة بما فيها المعلومات الصحيحة".

خطأ فادح
ومتفقا مع بوعزارة، قال فيصل مطاوي، صحفي مختص في الشأن الثقافي، إن "المسؤولين الجزائريين نادرا ما يكتبون أو يوثقون لسيرهم".

وأضاف مطاوي للأناضول: "كأنّ المسؤول يتخوف من أن يكون هناك نقاش حقيقي حول ما يكتبه، فيكتفي بالانسحاب والسكوت.. مذكرات خالد نزار والشاذلي عندما صدرت أثارت جدلا في البلاد".
وتابع: "الجزء الثاني من مذكرات الشاذلي يبدو أن العائلة رفضت صدوره لأنّه يتضمن حقائق سياسية، أبرزها توقف المسار الانتخابي عام 1992".

وأشار إلى أنه "كان يفترض صدور مذكرات مؤسس المخابرات الجزائرية سنوات خمسينات (القرن العشرين) عبد الحفيظ بوالصوف، لكن عائلته رفضت، كما هو الحال بالنسبة لعائلة الرئيس الراحل أحمد بن بلة".

وختم مطاوي بأن "توافق السياسيين على عدم قول أي شيء هو خطأ فادح في حق التاريخ وفي حق الأجيال التي يجب تعرف الحقائق ولو مُرّة".