في Tuesday 24 May, 2022

تحول «الصدر» إلى المعارضة اعتراف بالفشل وتعميق أزمة العراق

كتب : زوايا عربية - وكالات

اعتاد العراقيون على قرارات وخطوات غير متوقعة يتخذها رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، تزيد في الغالب المشهد السياسي توترا وتعقيدا واستعصاء وابتعادا عن تشكيل الحكومة وحل الأزمة السياسية.

ودخلت الأزمة شهرها الثامن، في أجواء من عدم التوافق بين الثنائي الشيعي (الإطار التنسيقي، والتيار الصدري)، ومخاوف قد لا تكون واقعية من احتمالات دخول البلاد في فوضى أمنية أو حرب أهلية داخل المكون الشيعي.

الصدر ونزاهة القضاء
في موقف سابق، أثنى رئيس التيار الصدري على القضاء، وقال عنه إنه أثبت "نزاهته واستقلاليته وعدم رضوخه للضغوط السياسية".

وكان ذلك في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد رفض القضاء دعاوى الإطار التنسيقي، بشأن الكتلة النيابية الأكثر عددا.

لكن الصدر، وبعد ساعات من قراره التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة لمدة 30 يوما، عاد في 16 مايو/ أيار الجاري، لانتقاد القضاء واتهامه بـ"مسايرة الثلث المعطل"، في إشارة إلى "قوى الإطار التنسيقي"، التي منعت تمرير قانون الأمن الغذائي، باللجوء إلى المحكمة الاتحادية.

وبعد فشل القوى السياسية الشيعية في الخروج من أزمة تشكيل الحكومة، وتبادلها الاتهامات بالتسبب فيها، قرر رئيس التيار الصدري التحول إلى المعارضة "الوطنية" لشهر واحد، وذلك لمنح "تحالف السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهما كتلتان متحالفتان مع الكتلة الصدرية، ضمن تحالف "إنقاذ وطن"، ومعهما قوى الإطار التنسيقي، فرصة لتشكيل الحكومة.

مهلة 30 يوما
ويعترف الصدر، بإخفاقه في تشكيل حكومة أغلبية وطنية لا يزال يتمسك بمضامينها حتى بعد عدة محاولات تجريبية فاشلة، على غرار دعوته "الإطار التنسيقي" إلى تشكيل حكومة جديدة بغياب ممثلي الكتلة الصدرية، ودعوة أخرى للنواب المستقلين.

وآخر محاولاته، دعوته القوى الحليفة له في تحالف "إنقاذ وطن"، وقوى "الإطار التنسيقي"، والمستقلين، لتشكيل حكومة خلال 30 يوما، تنتهي منتصف يونيو/ حزيران المقبل.

وتعتقد بعض قوى الإطار التنسيقي، أن مهلة الثلاثين يوما، يمكن أن تتحول إلى فرصة للقوى المتحالفة مع التيار الصدري، للتحالف معه في تشكيل الحكومة.

لكن ذلك يبدو غير واقعي بعد اتجاه "تحالف السيادة"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، للتمسك بمواقفهما من عدم الخروج عن الثوابت التي اتفقا عليها مع الكتلة الصدرية، في تحالف "إنقاذ وطن".

في حين يرى مراقبون، أن قوى "وازنة" من الإطار التنسيقي، "قد" تذهب إلى المعارضة، وقوى أخرى ستكون جزءا من الحكومة الجديدة، في حال شكلت خلال مهلة الثلاثين يوما.

مع ظهور بعض المعطيات التي تشير إلى احتمالات تفكك الإطار التنسيقي، إلى محورين؛ أحدهما يضم "ائتلاف دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، و"عصائب أهل الحق" برئاسة قيس الخزعلي، والمحور الآخر بقيادة رئيس "ائتلاف تحالف الفتح" هادي العامري.

ولا تزال القوى الشيعية تسعى لكسب تأييد النواب المستقلين (40 – 45 نائبا من إجمالي 329) والتحالف معهم، لتحجيم دورهم السياسي مستقبلا.

حيث تعوّل الكثير من القوى السياسية على الدور المنتظر للمستقلين في التصويت لتمرير الحكومة الجديدة أو عدم تمريرها.

وأعلنت قوى "الإطار التنسيقي"، في 4 مايو، مبادرة حاولت من خلالها تأكيد مراعاة المدد الدستورية، والحفاظ على العملية الديمقراطية، والجلوس معا إلى طاولة حوار تناقش الحلول والخيارات المتاحة أمام القوى السياسية للخروج من الأزمة.

المواطن يدفع الثمن
وباتت الأزمة تثقل كاهل المواطنين في ظل تعطيل قرارات حيوية تمس معيشتهم اليومية، مثل إقرار الموازنة العامة، التي لم تقدمها حكومة مصطفى الكاظمي، حتى اليوم.

في ظل خلافات دستورية حول طبيعة هذه الحكومة وتوصيفها، كأن تكون مؤقتة، أو انتقالية، أو لتصريف الأعمال، لمعرفة صلاحياتها، وفق الدستور.

وترى قوى "الإطار التنسيقي" ضرورة مراعاة حق الأكثرية الشيعية في الاتفاق على ترشيح رئيس مجلس الوزراء القادم، بعيدا عن التحالف مع القوى السياسية غير الشيعية.

وأيضا حسم موضوع الرئاسات الثلاث، عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم (الرئيس من المكون الكردي، ورئيس البرلمان من المكون السني)، ورفض أي مرشح من المكونات الأخرى.

ولا تزال المُهل الزمنية التي يعلنها رئيس التيار الصدري، مثار جدل في ما يتعلق بدستوريتها، أو بدورها في بلوغ الانسداد السياسي مستويات غير مسبوقة تغيب عنها أي أفاق للخروج من الأزمة في المدى المنظور.

ومع حقيقة فشل التيار الصدري في تشكيل حكومة أغلبية، واستمرار هذا الفشل بعد عدة مبادرات تجريبية "غير مدروسة"، يتجه التيار الصدري للضغط من خلال تجييش الشارع في عشرات المدن وسط وجنوب البلاد.

وشهدت هذه المدن، بعد خطاب رئيس التيار الصدري الأخير، تظاهرات لأتباعه بحشود كبيرة تأييدا له ولمبادراته.

الثلث المعطل
وستظل الأزمة السياسية بعيدة عن الحل، طالما ظل التيار الصدري متمسكا بمواقفه في تشكيل حكومة أغلبية وطنية، تُقصي القوى الشيعية الأخرى التي أثبتت أنها قادرة على تعطيل تمرير قرارات مجلس النواب، ما دفع الصدر لتسميتها بقوى "الثلث المُعطِّل".

وتنطلق هذه التسمية من واقع قدرة قوى "الإطار التنسيقي"، على منع التيار الصدري، من تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

ومن غير المستبعد أن يعود رئيس التيار الصدري عن مواقفه بكاملها، وأن يتجه نحو تشكيل حكومة توافقية لا يزال يرفضها، كونها حكومة محاصصة سياسية تساهم في الحد من قدرة مؤسسات الدولة على مكافحة الفساد.

وشارك التيار الصدري، في جميع الحكومات السابقة منذ أول حكومة تشكلت في 2006، بعدد من الوزارات، على أساس المحاصصات الطائفية والعرقية، وفق العرف السائد في اقتسام السلطة والموارد بين مختلف المكونات.

ولا تبدو أية آفاق للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة ودول عربية وإقليمية للقوى السياسية العراقية إلى ضرورة التوافق والخروج من حالة الانسداد السياسي.

وحثت هذه الجهات الدولية الأطراف العراقية على تجنيب البلاد المزيد من تبعات التنافس السياسي، القائم على محاولة بعض الأطراف استغلال الشارع، أو القوة المسلحة، والتهديد بها، لكسب المزيد من المكاسب على حساب أطراف أخرى.

وتتخوف قوى عراقية، من مختلف المكونات، من التصعيد "المتوقع" لأتباع رئيس التيار الصدري، بعد خطابه الأخير، الذي اتهم فيه قوى الإطار التنسيقي، ضمنا بسعيها لتعطيل القوانين، في إشارة إلى مشروع قانون الأمن الغذائي.

وألغت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، القانون بناء على دعوى تقدم بها أحد النواب المستقلين، المحسوبين أو المقربين من قوى الإطار التنسيقي.

وتم الإلغاء قبل عرض مشروع القانون على مجلس النواب للتصويت عليه، بذريعة عدم امتلاك الحكومة الحالية التقدم بمشاريع القوانين، بوصفها حكومة تصريف أعمال، وهو ما أيدته المحكمة الاتحادية.

سيناريو حل البرلمان
ومن المتوقع أن تستمر أزمة تشكيل الحكومة إلى أمد بعيد، قد يفضي إلى اللجوء لخيارات أخرى، منها إقدام مجلس النواب على حلِّ نفسه، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وهذا السيناريو قائم بالنظر لتخلي إيران والولايات المتحدة عن أدوارهما في ترتيب شكل الحكومة الجديدة، أثناء فترة المفاوضات بين الكتل السياسية على تشكيلها، كما في الدورات الانتخابية السابقة.

وتخشى معظم القوى السياسية من ذهاب التيار الصدري إلى المعارضة، واحتمالات تركيزه على فتح ملفات فساد السياسيين، والقضاء، والحكومات السابقة.

رغم أن التيار الصدري كان جزءا من تلك الحكومات، التي كان التستر على الفساد وعدم إثارة القضايا المتعلقة بفسادها من بين أهم ضمانات التوافق السياسي واستمرار الحكومات في عملها وعدم إسقاطها.

وفي حال نجحت قوى الإطار التنسيقي، وتحالفات أخرى، في تشكيل حكومة جديدة، من المتوقع لجوء التيار الصدري إلى الشارع لإسقاطها والدعوة لانتخابات مبكرة، في سيناريو مكرر لتظاهرات 2019، التي أرغمت رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، على تقديم استقالته، وتشكيل الكاظمي، حكومة مؤقتة، بمهمة محددة، هي إجراء انتخابات مبكرة.