في Sunday 4 June, 2023

ألاعيب عمران خان السياسية تتسبب في نبذه بعد تدمير الجيش الباكستاني لحزبه‎‎

عمران خان
كتب : زوايا عربية - وكالات

ازداد في الأيام الأخيرة ظهور عمران خان رئيس وزراء باكستان الأسبق بمظهر المنبوذ ، فمنذ إطلاق سراح رئيس وزراء باكستان السابق من السجن ، بعد محاولة عنيفة لم تدم طويلًا للقبض عليه الشهر الماضي، شهدت عودته انشقاقًا جماعيًّا لكبار القادة عن حزبه بمعدل أدهش الجميع، بما في ذلك منتقدوه.

في وقت متأخر من ليلة الخميس، صار رئيس الوزراء السابق ووزير الدفاع برويز ختك آخر مَن قدَّم استقالته من الشخصيات البارزة في حزب حركة الإنصاف الباكستانية الذي أسسه عمران خان. وجاء ذلك بعد استقالة وزراء المالية، وحقوق الإنسان، والمعلومات، والنقل البحري السابقين في حكومة خان الذين تنحوا جميعًا عن مناصبهم القيادية أو تركوا الحزب كلياً على مدار الأسابيع الأخيرة. وتبعهم في ذلك العشرات من الوزراء الفيدراليين ووزراء الولايات الآخرين.

أما مَن لم ينشقوا، فمعظمهم يقبع خلف الأسوار حاليًا. ففي ليلة الخميس، اعتقلت شرطة مكافحة الإرهاب رئيس حزب حركة الإنصاف الباكستانية شودري برويز إلهي، الذي صرَّح مؤخرًا بأنه سيساند خان في هذه "الأوقات العصيبة"، من منزله في لاهور. وما زال وزير الخارجية السابق في حكومة خان، شاه محمود قريشي، في السجن بعد اعتقاله في مايو رفقة عدة وزراء آخرين والآلاف من صغار أعضاء الحزب.

الجهة المسؤولة عن تلك الاعتقالات والاستقالات ليست مثار تساؤل كبير. فمنذ انهيار علاقة خان مع المؤسسة العسكرية المهيمنة على الدولة ما أسفر عن إطاحته من السلطة؛ شنَّ خان حملة شعواء ضد قيادات الجيش واتهمهم بمحاولة اغتياله وبمسؤوليتهم عن اعتقاله في مايو، وذلك قبل إطلاق سراحه بعد إعلان المحاكم بعدم شرعية اعتقاله.

وردًا على ذلك، يقول محللون وأعضاء من الحزب، إن قائد الجيش يحاول حاليًا تمزيق حزب خان على نحو منهجي قبل أن يعتقل خان ويُقدِّمه للمحاكمة العسكرية.

ويرى كثيرون أن فرصة السماح لخان بالمنافسة في الانتخابات القادمة المزمع إقامتها في أكتوبر ضئيلة للغاية.

يقول أفيناش باليوال، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، إنَّ "هذا القمع الشديد هو استراتيجية واضحة ينتهجها الجيش لتدمير كل أنظمة الدعم التي يملكها خان".
ويضيف: "بمجرد اختفاء هذه الأنظمة، سيأتي الدور على خان نفسه".

لكن رغم مزاعم خان بأن هذا "قمع لم يشهده تاريخ باكستان من قبل"، يقول باليوال، إن هذا استمرار لأسلوب الجيش الذي عرقل مسيرة الدولة نحو الديمقراطية منذ عام 1958، وهو العام الذي وقع فيه أول انقلاب عسكري في باكستان.

منذ ذلك الحين، فرض الجيش سيطرته باستمرار بوصفه الجهة السياسية المهيمنة في باكستان، سواء من خلال الحكم المباشر أو من خلال التحكم في شؤون البلاد وتوجيهها من وراء الكواليس.

ووقعت أقوى الأحزاب السياسية في الدولة كلها تحت طائلة أعمال القمع والاعتقالات التي ينفذها الجيش. فسبق خان رئيس الوزراء نواز شريف وحزبه "حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية"، الذي أُطيح به من السلطة وسُجِن بتهمة الفساد في عام 2017 بعد اختلافه مع الجيش، شأنه شأن العديد من السياسيين من قبله.

يقول باليوال: "هذا ليس غريبًا؛ فهذا ما يفعله الجيش بين الحين والآخر عندما يشعر بأنه بحاجة إلى إخضاع جهة سياسية مدنية ما تزداد قوتها".

ويضيف: "الجيش هو الحزب الوحيد الذي يحكم الدولة".

لن يكون خان أول رئيس وزراء يُقدِّمه الجيش للمحاكمة. ففي عام 1977، خُلِع رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو من منصبه إثر انقلاب عسكري، وقُدِّم للمحاكمة وفقًا للأحكام العرفية، ثم أُعدِم.

لقد كانت الضغوط المفروضة على كبار المسؤولين، والأدنى منهم مرتبة أيضًا في حزب حركة الإنصاف الباكستانية، قاسية. فيقول أحد كبار قادة الحزب، الذي اُعتقِل في مايو واستقال منذ ذلك الحين من الحزب، إنَّ الشرطة سلَّمته إلى وكالة الاستخبارات الباكستانية سيئة السمعة التابعة للجيش.

ويضيف ذلك القائد، الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفًا من الجيش: "استخدموا معي أساليب عديدة للضغط عليّ لكي أترك الحزب، ولكن التعذيب كان أسوأها. كبلوا قدماي وعلقوني منهما، وأخذوا يضربونني ككيس الملاكمة بالعصي واللكمات والركلات".

وتابع: "واتصلوا بأسرتي وهددوها، وقالوا لي إنهم سيعتقلون أطفالي وكل أسرتي إذا لم أترك الحزب. والعرض الذي قدَّموه لي هو الإفراج عني في حال تركي الحزب. وعلمت أنه ما من سبيل آخر أمامي".

وكشف الأعضاء الأدنى رتبة في الحزب عن الضغط الذي تعرضوا له من الجيش، والاتهامات التي وُجِّهت إلى الكثير منهم بالمشاركة في مظاهرات وأعمال شغب عنيفة يوم 9 مايو بعد اعتقال خان. وكانت منازل ضباط الجيش ومقراته ضمن المباني التي تعرضت للهجوم في أعمال العنف تلك.

منذ ذلك الحين، وصف الجيش والحكومة ما حدث بأنه "يوم أسود" على باكستان وتعهدا باستخدام كل ما أُوتيت الدولة من قوة لمعاقبة كل مَن كان له يد في ذلك العنف، بينما اتهما خان بأنه العقل المدبر لتلك الأحداث.

وعلى خلفية تلك الأحداث تعرض الآلاف للاعتقال ممن شاركوا في تلك الأعمال، بل ومَن كانوا على صلة فقط بالحزب ووُجِهت لهم اتهامات بالإرهاب، وسيخضع بعضهم للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية.

وذكر شقيق أحد قادة جناح الشباب في الحزب، أن أسرته بالكامل تعيش مختبئة منذ 9 مايو/أيار الماضي، بعد أن تعرضوا لمداهمات في منازلهم ومضايقات متواصلة من الشرطة.

وأضاف أنه يعيش بعيدًا عن زوجته وطفله الذي رُزِق به حديثًا منذ ما يقرب من شهر نتيجة ذلك.

وتساءل: "لماذا يضيقون عليّ وعلى والدَيّ لمجرد أن أخي من قيادات الحزب؟ لقد تلقينا رسائل غير مباشرة مفادها "اترك الحزب إذا أردت التخلص من هذا الوضع" (..) هذا أسوأ وضع سياسي شهدته في حياتي».

وعبَّرت جماعات حقوق الإنسان عن تخوفها من لجوء الجيش إلى استراتيجيته السيئة الأخرى لترهيب الموالين للحزب أو المعارضين للجيش، ألا وهي الاختفاء.

ومثال على ذلك الصحفي المؤيد للحزب عمران رياض خان المختفي منذ 11 مايو/أيار. وقُبِض كذلك يوم الأحد على مراد أكبر، شقيق ميرزا شهزاد أكبر المستشار السابق لعمران خان، من منزل أسرته ولم يره أحد منذ ذلك الحين، بينما تنكر الشرطة معرفتها بمكانه.

وقال ميرزا شهزاد أكبر، الموجود الآن في المملكة المتحدة ولم يعد يشغل أي منصب في الحزب ولكنه مدان في إحدى قضايا الفساد الشهيرة المرفوعة ضد خان: "كلنا نعلم مَن المسؤول. ليس لأخي أي علاقة بالسياسة، والسبب وراء مطاردته وخطفه هو الضغط عليّ".

وفي ليلة الخميس الماضي، اعتقل مجهولون المحامي والناشط الحقوقي البارز جبران ناصر، الذي انتقد صراحة الجيش، في كراتشي وفقًا لما ذكرته زوجته.

ورغم كل الضغوط، فإن حجم الانشقاقات عن الحزب وسرعة انهياره فاقت ما حدث في أي حزب آخر واجه مستويات القمع نفسها.

ويقول محللون إن ذلك انعكاس للضعف الأيديولوجي للحزب تحت قيادة خان الذي فشل في بناء أي مؤسسات داخل الحزب واعتمد فقط على جاذبيته الشعبية في الحفاظ على وحدته.

لقد كان هناك إحباط متزايد بشأن ألاعيب خان السياسية. فرغم أن حملته الشرسة المعلنة كانت تهدف إلى المطالبة بانتخابات عامة في أسرع وقت ممكن، يشير كبار القادة السابقين في الحزب ويؤكد وزير القانون أعظم نزير طرار أن خان وراء الكواليس رفض عرضين قدمهما الائتلاف الحاكم لإجراء الانتخابات.

جاء العرض الأول في مايو العام الماضي، حتى أن رئيس الوزراء شهباز شريف كتب خطاب استقالته بالفعل. ولكن بعد أن تقدَّمت الحكومة إلى خان بعرض الانتخابات، أعلن هو مظاهرة "المسيرة الطويلة". ولأن الحكومة لم ترد أن تبدو بمظهر الراضخة للضغط، ألغت الخطة.

بعد ذلك، وأثناء المفاوضات التي أدارتها المحكمة العليا بين الحزب والحكومة في بداية مايو، عرضت الحكومة حلَّ البرلمان بحلول يوليو وعقد الانتخابات بنهاية سبتمبر. تحمس كبار قادة الحزب في الاجتماع، ولكن بعد مكالمة هاتفية مع خان، رفضوا الخطة كما أمرهم وبدوا محبطين وفقًا لما ذكره مَن حضروا المفاوضات.

مع تراجع الثقة في ولاء خان لأعضاء حزبه، لم يُظهِر سوى قلة ممن يشغلون مناصب عليا في الحزب استعدادهم للوقوف في وجه الجيش ومواجهة عواقب ذلك التي ستكون وحشية على الأرجح، أما الباقي فقد اختاروا التخلي عنه. وأكَّد أحد كبار القادة السابقين في الحزب أن العديد ممن استقالوا يناقشون حاليًا خطة لإعادة بناء الحزب «بدون خان» كوسيلة «لإنقاذ الحزب».

وختم تصريحاته بقوله: "الحقيقة المُرَّة هي أن خان لا يهتم بالعاملين معه ومساعديه المقربين وبما يمرون به أو يواجهونه".

ويضيف: "أي أحد يعرفه عن قرب يعلم أنه لا يفكر في أحد سوى نفسه. خان يمتلك مستوىً عالٍ من النرجسية".