في Thursday 1 October, 2020

اليوم ليس كالأمس.. موريتانيا في مفترق «التحديات المعقدة»

الرئيس محمد ولد الغزواني
كتب : زوايا عربية - متابعات

ركزت موريتانيا أنظارها منذ عقد من الزمن تقريبا على قطاع إنتاج الغاز بعد اكتشاف احتياطات كبيرة في سواحلها الأطلسية والقريبة من المياه الإقليمية للسنغال.

وكان هذا الطموح هو المحدد الرئيسي لبناء دولة حديثة تعاني من أزمات معقدة من الناحيتين السياسية والاقتصادية وحتى على مستوى الانخراط في المحاور الإقليمية والدولية كونها منطوية على نفسها قياسا بدول المغرب العربي الأخرى.

ومع ظهور وباء فايروس كورونا، الذي شكل أرضية صلبة لترجمة الدعوات العالمية في خفض انبعاثات الكربون، وبالتوازي مع انخفاض الطلب العالمي على الغاز، تلاشت فكرة أن تستفيد أفقر بلدان الاتحاد المغاربي من حقل الغاز المشترك “السلحفاة الكبير أحميم” بعد أن علقت شركة كوزموس الكندية خطط التوسع، كما خفضت شركة بريتش بتروليوم الإنتاج لظروف تتعلق بخفض الإنفاق.

ويبدو أن هذه الوضعية، التي تأتي في حين تعيش الدولة على وقع مجموعة من التحديات الاستراتيجية الأخرى، ستحدد مصير السياسات المستقبلية لموريتانيا في ظل حكم الرئيس محمد ولد الغزواني لأن الرجل في مفترق طرق مع التغيرات الطارئة في الشرق الأوسط، والتي تتأرجح بين كيفية استساغة مسألة التطبيع الخليجي مع إسرائيل والاستمرار في دعم القضية الفلسطينية للوصول إلى تحقيق السلام.

ولكن حتى مسألة النظرة الأميركية لما يحدث داخل الحياة الاجتماعية في موريتانيا، وخاصة قضية العبودية، ستجعل من النخبة الحاكمة تعيد حساباتها مرارا من أجل إحراز تقدم في هذا الملف، وبالتالي التمهيد للحصول على دعم مالي ينقذها من الورطة، وذلك دون المساس بالثوابت التي تجعلها تحافظ على علاقاتها بمحيطها الإقليمي أو حتى مع باقي الدول العربية في الشرق الأوسط.

انتكاسة اقتصادية
في وقت تسعى فيه موريتانيا لترسيخ إصلاحات اقتصادية تقطع مع الماضي في التعامل مع الاستثمارات والإنتاج بهدف التحول من الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة التصدير، تعرضت جهود الدولة إلى انتكاسة مع تراجع سوق الغاز بسبب مزيج من أزمة الوباء والشتاء الدافئ في أوروبا، ومن هنا بدأت الآمال المشرقة لحقل السلحفاة تتلاشى بالفعل.

وهذه الصدمة جاءت بعد أن قررت كوزموس في وقت سابق من العام الجاري تأجيل الهدف الأولي لها المتمثل في إطلاق أولى مراحل إنتاج حقل السلحفاة والتي كانت مقررة هذا العام إلى النصف الأول من عام 2023، مما يعني أن تحصيل العوائد لن يكون قبل 2028.

وذكّرت مجلة “عرب دايجست” بما قاله آندي إنجليس الرئيس التنفيذي لشركة كوزموس في مايو الماضي من أن قرار الاستثمار النهائي بشأن المرحلتين 2 و3 لن يتم النظر فيه الآن “حتى ما بعد عام 2023 عندما نبدأ المرحلة الأولى”، ولقد تم تأجيل هدف الوصول إلى السعة الكاملة نحو نهاية العقد.

ولكن ما قد يثير قلق حكومة الغزواني هو إعلان بريتيش بتروليوم في الصيف الماضي أنها ستخفض إنتاج النفط والغاز بنسبة 40 في المئة خلال العقد المقبل وتبع ذلك إصدار الشركة في منتصف الشهر الماضي توقعاتها لهذا العام 2020 والتي كما يراها المحلل أليستر نيوتن أنها قدمت سيناريوهات يزداد فيها الطلب على النفط بحلول منتصف العقد الحالي.

وقد أرفق أليستر كلامه بتحذير مفاده أنه من المهم ملاحظة أنه أثناء تقديم تلك التوقعات شدد سبنسر ديل كبير الاقتصاديين في بريتيش بتروليوم، على أن التوقعات تستخدم سيناريوهات مختلفة للمساعدة في فهم نطاق حالة عدم اليقين، التي تواجهها الشركة بشكل أفضل مع انتقال نظام الطاقة إلى عالم منخفض الكربون ويبدو أن “توقعاتنا السابقة كانت خاطئة”.

ويرى مراقبون أن الحقيقة القاسية بالنسبة لولد الغزواني هي أن الحماسة المبكرة حول إمكانات حقل السلحفاة قد بدأ يشوبها الحذر لدرجة أن المحلل في قطاع الطاقة جيمس كوكين قال “إن احتمالية رؤية هذه التطورات، على الأقل تحت إشراف شركة بريتيش بتروليوم، يجب إعادة النظر فيها في ضوء أحدث تحول في الاستراتيجية من المملكة المتحدة”. ثم استنتج قائلاً “يبدو أن آمال موريتانيا في ثروات الغاز معلقة بخيط رفيع”.

حبل التوازن
يعتقد مراقبون أن انعكاس مجريات الأحداث الإقليمية والعالمية وحتى العربية ستدفع نواكشوط إلى اللعب على حبل التوازنات داخليا وخارجيا، الأمر الذي سيجعل ولد الغزواني مطالبا بقراءة دقيقة للمتغيرات حتى يواجه التحديات المصيرية، لأن أي موقف خاطئ ستكون فاتورته باهظة إما سياسيا أو دبلوماسيا أو اقتصادية أو أمنيا، كما أن العمل على عدم تداخل تلك الأمور سيقلل من فرص حصول أي تهديدات مستقبلية.

ويواجه ولد الغزواني قضية لا تقل أهمية، وهي مسألة التطبيع مع إسرائيل، وقد توقع المراقبون أن تنضم موريتانيا إلى خطوات الإمارات والبحرين، خاصة أن نواكشوط وتل أبيت كانتا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ 1999 وحتى 2009 حينما جمدت موريتانيا العلاقات احتجاجا على الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.

وما يبرر ذلك المنحى هو أن دولة الإمارات قدمت خلال زيارة الرئيس ولد الغزواني لأبوظبي في فبراير الماضي، دعما بقيمة ملياري دولار، وبالنسبة لدولة ذات ناتج محلي إجمالي يقدره البنك الدولي في عام 2018 بما يزيد قليلاً عن 5 مليارات دولار، فإن هذا النوع من السخاء قد يجعل موريتانيا تكون في صف الإمارات.

ومع ذلك يدرك ولد الغزواني جيدا الشعور القوي داخل البلاد تجاه القضية الفلسطينية، ولاسيما من الإسلاميين، حيث كان لحزب تواصل المحسوب على تيار الإسلام السياسي دور فعال في 2009 في دفع المحتجين إلى شوارع العاصمة نواكشوط للمطالبة بإنهاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ودعم ترشيح سيدي محمد ولد بوبكر للانتخابات الرئاسية العام الماضي.

وثمة مسألة أخرى مهمة أيضا وتتعلق بقضية العبودية، فرغم أن موريتانيا حظرتها رسمياً في عام 1981، إلا أن هذه الممارسة مستمرة مع ما يقرب من 90 ألف من أصل 4.6 مليون شخص مستعبد.

وتسبب هذا الموقف في قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء الوضع التجاري المفضل لنواكشوط بموجب قانون النمو والفرص الأفريقي (أغوا)، حيث أشارت الإدارة الأميركية في قرارها إلى حقيقة أن “موريتانيا لم تحرز تقدماً كافياً نحو مكافحة العمل الجبري، وتحديداً آفة العبودية”.

وربما إذا فاز ترامب في الانتخابات المقررة في مطلع نوفمبر المقبل قد يعيد النظر في هذا القرار ويعرض التخلي عن الإلغاء كمكافأة لموريتانيا إذا ركبت عربة التطبيع ولكن من شأن ذلك ألا يفعل شيئا للإسراع في إنهاء العبودية، بحسب المراقبين.

وتتعرض السلطات الموريتانية إلى موجة من الانتقادات لتاريخها في قضية العبودية، وكما أقرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2020، فإن الحكومة لا تفعل شيئا ثمينا بنفسها وذلك استنادا على تقرير نشرته وزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر للعام الماضي، حيث حققت نواكشوط في 4 حالات فقط، وحاكمت أحد المهربين المزعومين، لكنها لم تدن أيًا منهم.

وتشير منظمات حقوق الإنسان في الكثير من تقاريرها إلى تفاصيل العديد من انتهاكات حقوق الإنسان واستعراض الممارسات المتعلقة بحرية التعبير والمضايقات واعتقال السياسيين ونشطاء معارضين بمن فيهم زعيم حركة معاداة الرق والمرشح الرئاسي السابق بيران داه عبيد.

وفي ضوء كل تلك التحديات المعقدة ليس هناك شك، بالنسبة للمتابعين للشأن الموريتاني في أن الوعود الحكومية بشأن المكاسب الاقتصادية، التي يمثلها حقل السلحفاة أحميم الكبير يمكن أن تمثل البوصلة نحو توجيه موريتانيا إلى مسار التحديث في سياق المتغيرات في العلاقات الدولية التي بدأت تشكل أقطاب التحالفات الجديدة.

نقلاً عن «العرب اللندنية»