في Wednesday 24 March, 2021

بعد دعوة الكاظمي.. عقبات أمام الحوار الوطني في العراق

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
كتب : زوايا عربية - وكالات

حظيت دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للحوار الوطني، باستجابة الأوساط الاجتماعية والسياسية، ومعظم الكتل السياسية الفاعلة، مع اعتراضات من كتل أخرى مثل "سائرون" و"الفتح"، وتأييد حكومة إقليم كردستان العراق (شمال) ودول ومنظمات إقليمية ودولية.

وتزامنا مع انتهاء زيارة بابا الفاتيكان للعراق ودعوته إلى نبذ العنف واستخدام السلاح، دعا الكاظمي في 8 مارس/ آذار الجاري إلى "حوار وطني" شامل بين جميع "المختلفين" في العراق، ومصالحة وطنية على "أساس مصلحة البلد وأمنه وسيادته" لإنجاح الانتخابات المبكرة (المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021)، وتحقيق تطلعات الشعب العراقي.

وتسود الأوساط السياسية عموما حالة من الغموض في معرفة المقصودين بتسمية "المختلفين" التي وردت في دعوة الحوار الوطني والتعريف بهم وتحديد هويتهم.

واحتوت دعوة الكاظمي على المزيد من "العموميات" التي كثيرا ما تداولها سياسيون في مراحل سابقة بدعوات شبيهة لدعوته لم تحقق أي من غاياتها قدمها رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، ورؤساء كتل سياسية مثل عمار الحكيم وإياد علاوي وغيرهما.

تنظر القوى والكيانات السياسية إلى دعوة الحوار الوطني من منظور ما يمكن تحقيقه من مكاسب لها بعيدا عن التأصيل للحوار الوطني والمصالحة "المجتمعية" الشاملة الكفيلة بإخراج العراق من واقع الانقسام الذي ظل يعاني من تبعاته طوال 18 عاما.

واقتصرت دعوة الكاظمي، على جميع الأطراف السياسية والمحتجين والأطراف المعارضة للعملية السياسية من داخلها، دون الذهاب أبعد من ذلك إلى القوى والفاعليات الاجتماعية والشخصيات السياسية والاعتبارية المعارضة للحكومة الاتحادية ومجمل العملية السياسية، والتي لا تزال تتبنى موقفا معارضا لها سواء من داخل العراق أو خارجه.

ورحبت حكومة إقليم كردستان بالدعوة للحوار الوطني وجعله "حوارا حقيقيا عميقا لوضع حلول جذرية لمشاكل الإقليم مع الحكومة الاتحادية".

وتؤيد الكتل السياسية الممثلة للعرب السُنّة، وهي كتل "هامشية"، دعوة الحوار الوطني للتأسيس لمرحلة جديدة على أن يكون هذا الحوار حقيقيا على خلاف الدعوات السابقة لمثل هذه الحوارات التي لم تفض إلى نتائج لتجاوز الأزمات التي يعاني منها العراقيون.

وعدّ رئيس تحالف "عراقيون" برئاسة عمار الحكيم أن دعوة الكاظمي "فرصة سانحة لإجراء المصالحة بانخراط جميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية بحوار يستوعب جميع الرؤى والأفكار لمعالجة الإخفاقات وتقويم السلبيات".

ويعتقد "ائتلاف النصر" الذي يقوده العبادي، أن حوارات وطنية كهذه يمكن أن تؤدي إلى حل المشاكل التي يمر بها العراق وأن اقتراب موعد الانتخابات "المبكرة" في أكتوبر القادم يتطلب توفير أجواء سياسية وأمنية هادئة.

أما ما يتعلق بـ"المحتجين" فإن دعوة الكاظمي التي تحدثت عن ضرورة مشاركتهم في الحوار الوطني فلا تبدو هذه الدعوة مرحبا بها من قبلهم دون إيفاء الكاظمي بتعهداته بالكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة ووقف حملات الإخفاء والاغتيال التي تطول الناشطين في الحركة الاحتجاجية.

ومنذ أكتوبر 2019، شهدت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب احتجاجات واسعة ضد الأحزاب والكتل السياسية المهيمنة على السلطة والثروات.

ونجحت الاحتجاجات في إرغام عبد المهدي على تقديم استقالته في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بعد مقتل نحو 700 شخص وإصابة المئات، وتشكلت حكومة الكاظمي لإدارة مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات مبكرة أُعلن عنها في 6 يونيو/ حزيران، وأُجلت إلى 10 أكتوبر القادم.

مع إعلان الكتل السياسية المتنفذة في مجلس النواب العراقي ترحيبها بدعوة الحوار الوطني، لكنها "قد" لا تستجيب لمتطلبات نجاح الدعوة التي ينبغي أن تكون شاملة لجميع القوى والشخصيات المعارضة للعملية السياسية، وهو ما ترفضه تلك الكتل التي تعتمد تحقيق مكاسب كبيرة جراء عملية اقتسام السلطة والموارد على أساس المحاصصة السياسية.

رحبت كتلة "سائرون" (54 نائبا من أصل 329) التي يقودها رئيس "التيار الصدري" مقتدى الصدر بدعوة الكاظمي، لكنها اشترطت أن يكون الحوار بإشراف أممي، يستثني كل مَن له انتماء بعثي أو إرهابي.

كما أن كتلة "الفتح" (47 نائبا) التي يقودها الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري ، رحبت هي الأخرى بدعوة الحوار الوطني مع شرط يبدو "تعجيزيا" يتمثل في عدم إجراء مثل هذا الحوار قبل إكمال القوات الأجنبية انسحابها من العراق تنفيذا لقرار مجلس النواب في يناير 2020، الذي طلب من الحكومة الاتحادية إخراج جميع القوات الأجنبية.

وطالبت "الفتح" التي تُعد الكتلة الأكثر نفوذا في العراق سياسيا وأمنيا كونها تضم نوابا يمثلون فصائل شيعية مسلحة بعضها حليفة لإيران، بأن تكون أولويات الحكومة في هذه المرحلة تقديم حلول جذرية للأزمة الاقتصادية وإعادة هيبة الدولة وسيادتها وتوفير الخدمات الأساسية والتهيئة للانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر القادم.

ولا يمتلك الكاظمي كتلة سياسية في مجلس النواب يمكن أن تكون داعمة لمشروع الحوار الوطني، أو سلطة القرار الذي يُلزم المجموعات الشيعية المسلحة بنزع أسلحتها واستعادة استقلال القرار السيادي اللازم لنجاح دعوات الحوار الوطني.

ويواجه الكاظمي عقبات تحول دون تحقيق غاياته من إطلاق دعوة الحوار الوطني التي هي الأخرى تفتقر إلى الكثير من مقومات نجاحها.

وتفتقد دعوة الكاظمي للحوار الوطني إلى مقومات تمهيد الأرضية لإجراء المصالحة الشاملة بين الأطراف المعنية بالدعوة، والتي حددها رئيس الوزراء بـ"المختلفين" مع الحكومة والمعارضين لها من القوى السياسية والمحتجين.

ومع أن توصيف "المعارضة" قد لا يكون واقعيا، ولكن مع افتراض وجودها، وهي بالتأكيد قوى تمثل العرب السُنّة، فإن هذه القوى التي يمكن أن تقبل بالدخول في الحوار مع ممثلي الحكومة يتطلعون إلى حلول جذرية لمسببات الأزمات في العراق، مثل حصر السلاح بيد الدولة وعودة النازحين والمهجرين قسرا إلى مناطقهم والكشف عن المغيبين والتوزيع العادل للمناصب السيادية والثروات وملفات أخرى.

ولا يزال الكاظمي بحاجة إلى مزيد من الخطوات لإعادة ثقة المحتجين بمحاسبة قتلة المتظاهرين ورؤوس الفساد المالي والسياسي الذي ينخر مؤسسات الدولة قبل أن يدعو لحوار وطني يشمل المحتجين.

وتبدو دعوة الحوار الوطني "عقيمة" لن تؤدي إلى حلول جذرية للأزمات المتراكمة التي يعاني منها العراق طالما أن المحتجين رفضوا الدعوة "ضمنا"، وطالما أن الدعوة اقتصرت على القوى والكيانات السياسية، وهؤلاء هم متصالحون وينسقون فيما بينهم داخل مجلس النواب ولا توجد أي قطيعة بينهم.

ومع واقع الانقسام المجتمعي في مستويات عدة، فإن العراق بحاجة إلى "عقد اجتماعي" تتفق عليه المكونات الرئيسية الثلاثة، الشيعة والعرب السنة والأكراد وباقي المكونات الأخرى لتحقيق شراكة حقيقية في السلطة والموارد والتوافق على إدارة الدولة العراقية دون تهميش أو إقصاء على أساس الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي أو المناطقي.

كما أن الحوار الوطني في أجواء "غياب سلطة الدولة" وعدم قدرة الحكومة على نزع سلاح المجموعات الشيعية الحليفة لإيران، تشكل التحدي الأكبر أمام الكاظمي للمضي قدما بالحوار الوطني وإنجاز المصالحة المجتمعية الشاملة، وهو التحدي الذي يفوق قدرة الكاظمي على مواجهته.