في Thursday 31 March, 2022

هل تصبح أوكرانيا أفغانستان جديدة؟

كتب : زوايا عربية - وكالات

في الأيام الأخيرة بدأنا نشهد نقاشات حول ما إذا كانت أوكرانيا ستصبح أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا. وتفترض وجهة النظر هذه أن الولايات المتحدة والغرب يرغبان في جر موسكو إلى حرب تستمر سنوات لتستنزف قواتها كما حدث مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.

وترى وجهة النظر نفسها أن روسيا بوتين وقعت في خطأ استراتيجي فادح بوقوعها في هذا الفخ الغربي، مثلما وقع الاتحاد السوفيتي من قبل.

روسيا ليست وحيدة
يذكر الهجوم الروسي على أوكرانيا باحتلال الاتحاد السوفيتي أفغانستان، من عدة وجوه، فقد شهد العالم بعده حالة من الاستقطاب مثلما حدث عام 1979 بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان.

وفي 1980، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، كما أدانت في 2 مارس/ آذار الجاري الهجوم الروسي على أوكرانيا.

لكن هناك فروق واضحة بين الأمرين، ففي الفترة السوفيتية أدانت 108 دول الاحتلال بينما دعمته 18 دولة اشتراكية وامتنعت 12 دولة عن التصويت، أي يمكن أن نقول إن الاتحاد تم عزله عن العالم باستثناء الدول الأعضاء في حلف وارسو.

بينما في التصويت الذي أُجري في 2 مارس، امتنعت 35 دولة عن التصويت وفضلت أن تبقى على الحياد.

وبين الممتنعين عن التصويت دول مهمة سياسيا واقتصاديا، كالصين والهند وباكستان، ويشكل عدد السكان فيها نحو نصف سكان العالم.

ومن اللافت أن الصين وباكستان، اللتين أدانتا احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1980 ودعمتا المجاهدين الأفغان، لم تصوتا ضد روسيا هذه المرة. ولأول مرة منذ عدة سنوات تصبح نيودلهي وإسلام أباد في الطرف نفسه. ويمكن أن نفسر ذلك بأن روسيا اليوم ليست وحيدة كما كان الاتحاد السوفيتي.

عقوبات مشابهة
تُطبق اليوم عقوبات تستهدف الرياضيين والفنانين ورجال الأعمال الروس، تشبه مقاطعة أولمبياد موسكو في عهد الاتحاد السوفيتي. كما يوجد تشابه من ناحية مبالغة الإعلام الغربي في خسائر الروس.

فقد كان الإعلام الغربي يبالغ كثيراً في الخسائر العسكرية للاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وكان يدعي أنه فقد 10 آلاف جندي في الشهر الأول فقط. إلا أن الوثائق التي تم الكشف عنها بعد سنوات أظهرت أن الأرقام مبالغ فيها إلى درجة كبيرة.

واليوم نرى ادعاءات مشابهة تقول إن موسكو فقدت 14 ألف جندي، و500 دبابة و500 مدرعة و90 طائرة، بل إن هناك ادعاءات تقول إنه تم القضاء على 15 في المئة من الجيش الروسي.

عقب احتلال الاتحاد السوفيتي أفغانستان، قدم الغرب دعما عسكريا كبيرا من أسلحة وذخيرة ومعدات للمجاهدين في أفغانستان، واليوم أخذت القوات الأوكرانية والوحدات العسكرية شبه الرسمية مكان هؤلاء المجاهدين.

وكما كان الغرب يُظهر للرأي العام، الجوانب الإيجابية فقط لهؤلاء المجاهدين، يقوم اليوم بإظهار القادة الأوكرانيين في صورة أبطال.

بين 1979 ـ 1989 كانت باكستان مركز الدعم العسكري الذي وفره الغرب والولايات المتحدة للمجاهدين في أفغانستان، كما كانت هي الدولة التي استقبلت أول موجة هجرة من أفغانستان وفتحت أبوابها للاجئين. واليوم تقوم بولندا بهذا الدور ولكن لا ندري بعد ما إذا كانت ستكتفي بدور استقبال اللاجئين أم سيكون لها دور في دعم المقاومة المسلحة في أوكرانيا.

الجغرافيا هي الفارق الأهم
لعل العنصر الأهم الذي يجب النظر إليه في موضوع ما إذا كانت أوكرانيا ستصبح أفغانستان جديدة، هو الاختلافات بين الأمرين، ولعل الخصائص الجغرافية هي أبرز الفوارق بين البلدين.

فبينما تتميز أفغانستان بطبيعة جبلية وتضاريس وعرة، تتشكل معظم الأراضي الأوكرانية من أراض مسطحة وتضاريس سهلة. وكانت صعوبة التضاريس والطبيعة الجبلية من العوامل التي أثرت كثيراً في مجريات الحرب أمام الاتحاد السوفيتي.

إذ حدت الجغرافيا من حرية الجيش السوفيتي وقدرته على التحرك والانتقال من نقطة لأخرى، كما وفرت ميزة كبيرة للمجاهدين المسلحين ومكنتهم من تطبيق أسلوب الهجمات الخاطفة، والاحتماء في الجبال.

وبسبب ذلك فضل المجاهدون عدم الاشتباك مع القوات السوفيتية في المدن، بل جروهم إلى المناطق الجبلية والريفية، ولم تحدث تقريبا أي اشتباكات داخل المدن وتحولت المعركة إلى حرب استنزاف استمرت سنوات.

في مقابل ذلك، نرى أن الحرب في أوكرانيا ذات التضاريس والأراضي المسطحة إضافة إلى الطرق السريعة المتطورة، مقارنة بأفغانستان، قد وصلت إلى أبواب المدن قبل أن يمر شهر واحد على اندلاعها. وفي حال لم تفضِ المفاوضات إلى نتائج توقف المعارك، فإن اشتباكات الشوارع والأحياء السكنية هي التي ستحدد مصير الحرب.

الروابط التاريخية والثقافية
من الاختلافات المهمة أيضا الروابط التاريخية والثقافية الوثيقة بين الشعبين الأوكراني والروسي التي لم تكن موجودة بين السوفييت والأفغان.

ولم يدعم الاحتلال في أفغانستان سوى قطاع ضئيل لا يتعدى 10 في المئة من سكان المدن، بينما 20 في المئة من السكان الأوكرانيين ينحدرون من أصول روسية.

بالطبع ليس من الصواب الادعاء بأن كل الأقلية الروسية في أوكرانيا دعمت الهجوم الروسي إلا أن الروابط الوثيقة بين الشعبين ثقافيا وتاريخيا ودينيا من أهم الفوارق بين الحالتين. ففي حين كانت هناك دائما انتقادات داخل الرأي العام الروسي للحرب على أفغانستان وتساؤلات عن مدى شرعيتها، لم يحدث ذلك بشكل بارز تجاه أوكرانيا.

تعتبر روسيا مناطق داخل أوكرانيا مثل أوديسا وسيفاستبول ودونباس ميراثا تاريخيا منذ العهد السوفيتي الذي كانت إدارته تواجه صعوبة في إقناع شعبها بشرعية احتلال أفغانستان، فيما يتمكن الرئيس الروسي اليوم من نيل دعم الرأي العام عبر الترويج للنظريات القومية التي تقول إن هذه المناطق كانت في السابق جزءا من بلاده.

من الادعاءات الأساسية الأخرى التي يروج لها بوتين لكسب شرعية للهجوم، قوله إن النازيين الجدد في أوكرانيا يضطهدون الأقليات الروسية، وقد طرح الحزب الشيوعي الروسي، ثاني أكبر حزب في البلاد، هذا الادعاء لأول مرة.

وكان هذا الحزب أيضاً هو أول من اعترف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك. وهو من أكثر داعمي الحرب على أوكرانيا بعد الحزب الحاكم.

كما يدعم الحرب زعماء يمينيون متطرفون لهم ثقل في السياسة الروسية مثل فلاديمير جيرينوفسكي، أي أن الأغلبية الساحقة في البلاد تدعم الحرب على أوكرانيا باستثناء الليبراليين الذين يشكلون نحو 10 في المئة فقط في المعادلة السياسية في روسيا. لذلك فإن الادعاءات التي يروج لها الإعلام الغربي حول أن الحرب عززت قوة المعارضة الروسية أمام بوتين لا تعكس الحقيقة.

ومن أهم الفروق أيضاً بين الحرب السوفيتية على أفغانستان والهجوم الروسي على أوكرانيا، أن النظام العالمي الحالي يختلف كثيرا عن النظام ثنائي القطب الذي كان موجودا عام 1980.

فعلى عكس النظام ثنائي القطب الذي كان يضم قطبين معزولين عن بعضهما تماما نعيش حاليا في نظام عالمي تتداخل فيه الدول وتترابط مع بعضها.

وفي 1980 كانت حصة الاتحاد السوفيتي في الاقتصاد العالمي حوالي 10 في المئة، وقد تصل إلى 15 في المئة، إضافة إلى الدول المشاركة في حلف وارسو.

إلا أن الاتحاد السوفيتي كان صاحب اقتصاد منغلق لا يقوم بالتصدير ولا الاستيراد، ولذلك لم يكن هناك اعتماد متبادل من الناحية الاقتصادية مع الدول الأخرى.

أما اليوم ورغم أن نصيب روسيا في الاقتصاد العالمي حوالي 2 في المئة فقط، هناك الكثير من الدول الغربية معتمدة عليها في الطاقة والغذاء. ولذلك فإن استمرار الحرب 10 سنوات في أوكرانيا ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي.

كما أن أوكرانيا باعتبار موقعها الجغرافي ومكانتها في الزراعة العالمية، يجعلها دولة ليس من السهل على الغرب التخلي عنها مثل أفغانستان. وسيكون لاستمرار عدم الاستقرار فيها لعدة سنوات تأثيرات مباشرة على الدول الأوروبية.

وفي ضوء ما سبق يتضح لنا أنه ليس من المحتمل أن تتحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات طويلة كما حدث في أفغانستان.
-----
رحيم الله فرزام الخبير السياسي بمركز الدراسات الإيرانية "إيرام" - وكالة الأناضول