في Friday 13 May, 2022

في ظل أزمة الأسعار.. رغيف الخبز يشغل بال فقراء غزة

كتب : زوايا عربية - وكالات

وسط ظروف الفقر والبطالة السائدة، يستهلك سكان قطاع غزة الذين يتجاوز تعدادهم أكثر من مليوني شخص، نحو 400 طن من الدقيق يوميا، وفق إحصائية رسمية.

وفي ظل الارتفاع العالمي للأسعار جرّاء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، يتخوف السكان من غياب عدد من السلع الغذائية الأساسية، عن موائد الطعام، أبرزها القمح، الذي كانوا بالكاد يستطيعون توفيره بسعره السابق.

ولا تكاد مائدة، تخلو من الخبز، أو أحد المواد الغذائية المصنوعة من الدقيق، كـ"المعكرونة"، نظرا لأسعارها التي كانت في متناول الأيدي.

وعلى غرار معظم دول العالم، يشهد القطاع، المُحاصر إسرائيليا لأكثر من 15 عاما، ارتفاعا بأسعار السلع الأساسية، لكن بنسبٍ تقل عن الارتفاع العالمي.

ورغم ذلك، إلا أن هذا الارتفاع شكّل "ضربة مؤلمة"، للفلسطينيين الفقراء، الذين شعروا به، نظرا لضعف قدرتهم الشرائية.

ومنذ عام 2007، تفرض إسرائيل حصارا على سكان قطاع غزة، نجم عنه تدهور كبير في الأحوال الاقتصادية والمعيشية.

وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2021، فإن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 50 بالمئة.

سعر الدقيق والخبز
يقول أسامة نوفل، مدير عام التخطيط والسياسات في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة (تديرها حركة حماس)، للأناضول: إن 120 طنا، من إجمالي الاستهلاك اليومي للدقيق، والبالغ 400 طن، يذهب للمخابز، لصناعة الخبز، بينما تتوزع بقية الكميات للمنازل والمصانع.

ويضيف أن أسعار القمح والسلع المستوردة بغزة، مرتبطة بشكل أساسي بالسعر العالمي والبورصة العالمية.

ويوضح نوفل أنه منذ بداية الأزمة الأوكرانية ارتفع سعر القمح والطحين عالميا بنسبة تقدّر بنحو 22 بالمئة.

لكن مع تدخل وزارته في قطاع غزة، بتحديد تسعيرة هذه السلعة، وإقرار الإعفاءات الجمركية عن مستورديها، فإن نسبة الارتفاع وصلت إلى 11 بالمئة، وفق قوله.

ويشير نوفل إلى أن وزارته تتحفظ على كميات من مخزون الدقيق القديم، المخصص لصناعة الخبز، لافتا إلى أنه يتم توريد كميات محددة يوميا إلى المخابز.

ويتابع: "مارسنا ضغوطا على التجّار من أجل توفير كيس الدقيق الذي يبلغ وزنه نحو 50 كيلو جراما، بنحو 30 دولارا، للمخابز، في حين أنه يُباع للمواطن بـ 32 دولارا".

ويضمن هذا الإجراء، حسب المسؤول، عدم ارتفاع أسعار الخبز، خلال شهر رمضان، بينما لم يتضح حتى اليوم، إمكانية ارتفاع الأسعار بعد الشهر الفضيل.

وينوه بأن وزارته لا تستطيع إجبار أصحاب المطاحن، ومستوردي الدقيق، للبيع بخسارة، في حال استمر ارتفاع الأسعار.

وزاد نوفل قائلا: "التوقعات المستقبلية مجهولة، ومرتبطة مباشرة بالأزمة الأوكرانية، في حال استمر الصراع وتصاعد، سنشهد ارتفاعا بالأسعار، بينما لو انتهت، سيعود كل شيء إلى ما كان عليه".

ويلفت إلى أن أصحاب المخابز، وفي ظل الأزمة، اكتفوا بهامش ربح قليل يتراوح بين 3-4 بالمئة فقط، عن كيس الخبز، الذي يبلغ وزنه 2 كيلو و600 جرام.

وفي الوضع الطبيعي، فإن الحد الأدنى من الربح، لذات الكمية من الخبز، تصل إلى 10-12 بالمئة.
وأشاد نوفل بأصحاب المخابز، مؤكدا أنهم أظهروا وقفة مهمة جدا في المجتمع، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعشها سكان القطاع.

حركة انسيابية
وقال نوفل إن عملية استيراد الدقيق من الخارج، عبر معبري رفح (الواصل بين قطاع غزة ومصر)، وكرم أبو سالم (تسيطر عليه إسرائيل)، تسير بشكل انسيابي.

وأضاف: "هناك انسياب في حركة دخول القمح لغزة، ولا يوجد أي اشكاليات حالية متعلّقة بعملية التوريد، كما لم يشتكِ التجار من عدم قدرتهم على إبرام اتفاقيات جديدة، لاستيراد القمح من الخارج".

وأوضح نوفل أن العمل بقرار الإعفاء الجمركي، عن هذه السعلة، وغير من السلع الأساسية، سيتواصل، من أجل تعزيز المخزون الاستراتيجي منها وضمان أن يبقى سعرها في القطاع، أقل من سعرها العالمي.

ويحتفظ قطاع غزة بمخزون من الدقيق والقمح، يكفي لأكثر من شهر، حسب نوفل.
وأشار إلى أن غزة استوردت، خلال مارس/ آذار الماضي، نحو 19 ألفا و782 طنا من الدقيق، بينما وصل القطاع خلال شهر أبريل/ نيسان الجاري، نحو 8 آلاف و500 طن من القمح والدقيق.

وفي السياق، لفت نوفل إلى أن مصر استثنت قطاع غزة، من قرارها بمنع تصدير القمح للخارج، واصفا القاهرة بـ"النافذة (الاقتصادية) الجيدة لغزة".

وعن الإنتاج المحلي من القمح والدقيق، قال نوفل إن "الأراضي الزراعية الخاصة بالقمح، محدودة، وذات إنتاج محدود أيضا".

وأردف أن الاعتماد على القمح، المُنتج محليا، أمر صعب، كونه يتطلب أراض زراعية بمساحات واسعة، وهذا يتنافى مع مساحة القطاع؛ الذي يعاني أصلا من اكتظاظ سكاني.

واستكمل المسؤول في وزارة الاقتصاد قائلا: "كل دونم من الأراضي الزراعية يُنتج نحو 650 كيلو جراما من القمح، ما يعادل 400 كيلو جرام من الطحين".

سلع أخرى
إلى جانب ارتفاع أسعار الدقيق، فإن أنواعا أخرى من السلع الأساسية شهدت أيضا ارتفاعا واضحا، الأمر الذي يُلقي بظلالٍ سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين في القطاع، وفق نوفل.

وقال: إن "70 بالمئة، من السلع التي يستهلكها سكان القطاع، تستورد من الخارج، وترتبط أسعارها بالمؤشرات الخارجية والعالمية".

وأشار إلى أن "سعر كيلو السكر بغزة ارتفع بنسبة 7 بالمئة، وهي أقل من نسبة الارتفاع العالمي، كما ارتفع ثمن 3 لترات من الزيوت بنسبة 8 بالمئة، والأرز أيضا شهد سعره ارتفاعا بنسبة 12 بالمئة".

وعلى غرار السلع الغذائية، شهدت أسعار بعض المواد الخام الأساسية ارتفاعا، بحسب نوفل، مثل الوقود والحديد المُستخدم في البناء، الذي ارتفع سعر الطن منه بنسبة 30 بالمئة، والإسمنت بنسبة 15 بالمئة، للطن الواحد.

إمدادات "أونروا"
بدوره، يؤكد عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن 60 بالمئة، من مادة الدقيق، التي يتم استخدامها، وتدويرها، في قطاع غزة، توفّرها وكالة الغوث الدولية.

ويقول للأناضول أن "عدد من اللاجئين، المستفيدين من المساعدات الغذائية، يستلمون أكياس الدقيق من الوكالة، ومن ثم يبيعونها لآخرين (لاجئين أو تجّار)، للحصول على أموال نقدية، وهكذا يتم تدويره في غزة".

ويوضح أن عدد المستفيدين من برنامج المساعدات الغذائية، في قطاع غزة بلغ نحو مليون و140 ألف لاجئ.

وتستفيد الأسر في القطاع من هذا البرنامج مرة كل 3 أشهر، عبر حزمة مواد غذائية أساسية يستلمونها.

وأثّرت الأزمة الأوكرانية، على "أونروا"، حيث فاقمت من أعباء ميزانيتها المالية، وفق أبو حسنة.
ويقول عن ذلك: "هذه الأعباء تفاقمت لدينا عبر اتجاهين، الأول ارتفاع أسعار المواد الغذائية، المباشرة وغير المباشرة، من ارتفاع أسعار الوقود وعمليات النقل والتأمين".

وأما العامل الثاني، وفق أبو حسنة، فإنّه يتمثّل بـ"تراجع قدرة المانحين على الإيفاء بالتزاماتهم المالية تجاه أونروا".

واستكمل قائلا: "المانحون أبلغونا بعدم قدرتهم على دفع الأموال للأونروا، لهذا العام، بنفس المبالغ التي كانت عليها العام السابق؛ بسبب الأزمة الأوكرانية، فيما أبلغنا بعض المانحين بنيّتهم بتأجيل تسديد دفعاتهم المالية".

وشدد أبو حسنة على أن المساعدات الغذائية، التي تقدّمها وكالته للاجئين بغزة، "ستستمر ولن تشهد أي تقليص".

وأشار إلى أنه من المبكر الحديث عن تأثير الأزمة المالية الجديدة على "أونروا"، وخدماتها، لافتا إلى أن الأمور ستتضح خلال الأسابيع المقبلة.