في Tuesday 1 November, 2022

قمة الجزائر.. فلسطين وتداعيات حرب أوكرانيا على رأس الأولوية

كتب : زوايا عربية - وكالات

تراهن الجزائر على أن نجاحها في جمع الفلسطينيين في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم سيمهد للمّ شمل العرب في القمة التي تستضيفها الثلاثاء والأربعاء، رغم الخلافات السياسية بين البلدان العربية حول أكثر من ملف، بما فيه القضية الفلسطينية التي كانت يوما ما نقطة إجماع.

لكن التهديدات العالمية التي تواجه الدول العربية اليوم تفرض عليهم حدا أدنى من التضامن، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي، والضغوط الأمريكية على الدول النفطية وعلى رأسها السعودية، ناهيك عن أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق عنوانها "الانكماش التضخمي".

ضبط بوصلة العرب
بعد موجة التطبيع مع إسرائيل إثر التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية في 2020، تمثل قمة الجزائر فرصة للعرب لإعادة ضبط بوصلتهم باتجاه القدس والقضية الفلسطينية.

إذ تراهن الجزائر على إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات الدول العربية، خاصة في ظل استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلية وتهويد القدس واستهداف الفلسطينيين والتضييق عليهم.

ومن المرتقب أن يتم عرض "إعلان الجزائر" الذي اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية على الزعماء العرب لتبنيه وتشكيل لجنة برئاسة الجزائر لمتابعة تنفيذ بنوده، حتى لا يتذرع أي طرف فلسطيني بوجود ضغوط من دولة أو دول عربية لعدم الالتزام بالاتفاق.

ورغم الخلافات التي رشحت بشأن العديد من القضايا خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلا أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أعلن مساء الأحد التوصل إلى "نتائج توافقية" من شأنها أن "تسهل عمل القادة خلال القمة المرتقبة".

وأكد على كلامه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، الذي قال إن "المؤشرات تتجه نحو قمة ناجحة" بعد التوافق "على جميع القضايا التي جرى طرحها، وعدم تأجيل أي بند".

وهذا يعني أنه تم تفادي القضايا الخلافية، أو الإشارة إليها بعبارات فضفاضة تقبل أكثر من قراءة، لتحقيق أكبر قدر من الإجماع، بدليل عدم وجود أي بند خلافي تم رفعه إلى اجتماع القادة العرب لحسمه والفصل فيه.

فإلى جانب فلسطين، كانت الأوضاع المتأزمة في ليبيا واليمن وسوريا محور نقاشات الوزراء العرب، الذين اتفقوا أيضا على دعم لبنان والسودان والصومال وجزر القمر، التي تواجه اقتصاداتها ظروفا صعبة.

التضامن الاقتصادي
الدول العربية ليست بمنأى عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، على أكثر من صعيد، إلا أن الأمن الغذائي العربي يشكل أكثرها تأثرا بالصراع بين موسكو والغرب.

وفي هذا الصدد، تشكل منطقة التبادل الحر بين الدول العربية والاتحاد العربي الجمركي إحدى المحاور الرئيسية التي تم بحثها خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، على مستوى كبار المسؤولين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، أو على المستوى مجلس الوزراء.

فالتفكيك المتدرج للرسوم الجمركية بين الدول العربية وتوحيد قيمتها من شأنه تحفيز التجارة البينية، التي لا تتجاوز حاليا 6 بالمئة.

كما أن الأمن الغذائي يشكل أولوية بالنسبة للدول العربية في ظل أزمة الغذاء العالمية، فيكفي الإشارة إلى أن كلا من مصر والجزائر أكبر مستوردي القمح في العالم.

وبعد تعليق روسيا اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي ساهمت تركيا في التوصل إليه، من شأن ذلك رفع الأسعار دوليا بشكل يؤثر على الدول العربية ذات الاقتصادات المتواضعة.

وكذلك بالنسبة لملف الطاقة، فارتفاع أسعار النفط والغاز، من شأنه زيادة فاتورة واردات الدول العربية المستوردة لها، والضغط أكثر على ميزانياتها، على غرار الأردن والمغرب.

بل إن دولا مثل الصومال طلبت من الدول العربية بشكل رسمي إعفاءها من الديون المتراكمة عليها، خاصة بعد أزمة الجفاف ونقص الغذاء، ما يهدد بوقوع مجاعة في البلاد.

ومن المنتظر من القمة العربية أن ترفع الدول الأعضاء، خاصة الغنية، من مستوى مساهماتها المالية للجامعة العربية، لدعم الدول التي تعاني من أزمة غذاء تضعها على حافة المجاعة على غرار اليمن والصومال، أو تلك التي تعاني صعوبات مالية خانقة مثل لبنان.

وتشكل المبادرة السودانية للأمن الغذائي فرصة أخرى لتحقيق التكامل العربي عبر الشراكة والاستثمار بين الدول التي تملك رؤوس المال والتقنيات الحديثة وأخرى تملك الأرض الخصبة والمياه والشمس واليد العاملة المؤهلة.

إصلاحات مفخخة
على عكس ما جرى في قمة 2005، تفادت الجزائر هذه المرة إثارة ملف تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية إعلاميا، مع الاكتفاء بالحديث عن إصلاح الجامعة.

وهو ما أشار إليه الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، بأن "هناك اقتراحات مقدمة من الجزائر لتطوير وإصلاح جامعة الدول العربية".

حيث تسعى الجزائر بدعم من دول عربية لتدوير منصب الأمين العام على غرار بقية المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لكن هذه الرغبة تصطدم بإصرار مصري على الاحتفاظ بالمنصب.

كما تطالب الجزائر بضرورة أن يتم اتخاذ قرارات الجامعة العربية بالأغلبية بدل الإجماع، بالنظر إلى صعوبة تحقيق الإجماع في عدة ملفات، ويكفي صوت واحد لعرقلة أي قرار.

وإصلاح الجامعة ورغم أنه يتردد كثيرا على لسان المسؤولين الجزائريين، إلا أنه لم يرشح منه الكثير لوسائل الإعلام، حيث يحاول البلد المنظم عدم إثارة المسائل الخلافية إعلاميا، لتفادي تعميق الخلافات، بينما ترفع القمة العربية شعار "لمّ الشمل".

بين قمتين
عادة ما يجذب عدد الزعماء الذين يحضرون أو يغيبون عن القمم اهتمام المتابعين ووسائل الإعلام، رغم أن العادة جرت بأن لا يشارك على الأقل ثلث القادة العرب في القمم لأسباب مختلفة، وبعضهم لم يحضر سوى عدد محدود جدا من القمم العربية طيلة سنوات حكمه.

وفي القمة الأخيرة التي عقدت بتونس في 2019، شارك 14 زعيما عربيا من بين 22 دولة عضو في الجامعة، بينهم العاهل السعودي الملك سلمان، الذي سلم رئاسة الدولة إلى تونس.

ويغيب الملك سلمان، وولي عهده محمد بن سلمان، عن قمة الجزائر 2022 لأسباب صحية، بينما انتهت ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر، قبل يوم واحد من انعقاد القمة.

وليس من المستبعد أن يتم التأكيد في قمة الجزائر على بعض القرارات التي تضمنها البيان الختامي لقمة تونس، على غرار: "مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين"، و"ضرورة العمل على التوصل إلى تسوية حقيقة وثابتة للأزمتين السورية والليبية".

غير أن ما يميز قمة الجزائر عن قمة تونس، أنها من المرتقب أن تتضمن بندا متعلقا بتزكية إعلان الجزائر حول اتفاق الفصائل الفلسطينية، وقرارات بشأن الملفات الاقتصادية المتعلقة بالأمن الغذائي، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وعودة أجواء الحرب الباردة بين موسكو والغرب، والتي تتطلب من العرب تضامن أكبر لمواجهة سياسة الاستقطاب.

فعلى عكس قمة تونس، لم يعد "الربيع العربي" وما يسمى "تيارات الإسلام السياسي" الهاجس الأكبر للحكومات العربية، رغم استمرار مظاهره في السودان وإمكانية انفجاره مجددا في مصر.

كما أن رحيل دونالد ترامب، من رئاسة الولايات المتحدة قلص من القرارات الأمريكية المتطرفة ضد العرب، على غرار اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.

غير أن التهديدات الأمريكية الأخيرة ضد السعودية بعد قرار "أوبك +" تقليص إنتاج النفط بمليوني برميل يوميا، من شأنه أن يكون حاضرا في البيان الختامي لقمة الجزائر.