في Wednesday 8 July, 2020

القانون الأميركي زاد من معاناة السوريين..

«قانون قيصر».. صمم لخنق بشار الأسد لكنه خنق الشعب السوري

صورة أرشيفية
كتب : زوايا عربية - متابعات

ذهبت كل القراءات والتحليلات السياسية منذ 17 يونيو الماضي إلى التأكيد على أن دخول قانون قيصر الأميركي المفروض على النظام السوري وعلى الأذرع والميليشيات الموالية لإيران التي تدعمه ستكون بمثابة الضربة القاضية لنظام يقوده بشار الأسد واستبسل طيلة عقد من الزمن دون الرضوخ إلى الدعوات الدولية للتخلي عن الحكم.

تدعّمت هذه التكهنات بصفة فعلية على إثر ما ظهر من خلافات عائلية كبيرة شقت عائلة الأسد، خاصة بين بشار وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف المقرّب من الكرملين ومن النظام الروسي.

بوادر النهاية
لا تتوقف الإشارات المنبئة بنهاية نظام عائلة الأسد، عند قانون قيصر أو الخلافات العائلية التي ظهرت للعلن، بل غذتها أزمة لبنان المجاور الذي يعيش على وقع انهيار اقتصادي يلقي بظلاله على دمشق حيث يوجد ما قيمته 40 مليار دولار من الأصول السورية التي تعد حلقة الوصل الرئيسية بين سوريا والاقتصاد العالمي والحال أن الحكومة السورية في حاجة ماسة للسيولة النقدية.

وبحسب المراقبين، فإن قانون قيصر يعد النقطة الأقوى التي يكابد النظام السوري لتلافيها لأنه يعرف أن تراكم الضغوط سيفرض عليه سياسة الأمر الواقع ويفضي إلى رحيل الأسد.

لكن إلى حدود اللحظة، فعلى الرغم من أن الهدف الرئيس لقانون قيصر هو خنق بشار الأسد ودفعه نحو الخروج من الحكم، فإنه على أرض الواقع تشي كل التطورات إلى أن النتيجة الراهنة تشير إلى أن القانون الأميركي زاد من معاناة السوريين.

ويجادل الخبراء بخصوص هذه النقطة الأخيرة بالارتكاز على حقيقة أن العقوبات الأميركية على النظام السوري، ليست العقوبات الأولى، حيث استهدفته عقوبات أميركية وأوروبية سابقة على حد السواء منذ سنوات عندما كانت سوريا تتمتع بقدرات اقتصادية، حيث طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة، لكن النظام صمد فكانت المعاناة فقط من نصيب الشعب السوري الذي يدفع التكلفة الاقتصادية.

إن قانون قيصر يوسّع دائرة الاستهداف للنظام السوري لتطال أذرعه أيضا من مسؤولين سوريين وكيانات أجنبية منها حزب الله اللبناني وميليشيات إيران وحتى الكيانات الروسية التي تتعامل مع الحكومة.

وينص القانون بالتحديد على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت أنه “مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال”.

وتقول في هذا الصدد الكاتبة كالي روبنسون في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إنه من أجل تعزيز خزائنها، طالبت دمشق بمئات الملايين من الدولارات من قيمة الضرائب المتأخرة من الشركات التي حققت أرباحا من وراء الحرب، بما في ذلك شركات مخلوف.

ومنذ ذلك الحين ثارت خلافات بين الأسد ومخلوف، وانتقد مخلوف الأسد علانية. ويقول الخبراء إنه من الممكن أن تكون هذه نقطة تحول، حيث إن مخلوف شخصية محبوبة وذات نفوذ، فمئات الآلاف من السوريين يعتمدون في معيشتهم على شركاته، وميليشياته وجمعياته الخيرية.

وقد حذا أفراد آخرون من العائلة حذو مخلوف في انتقاد النظام، ومن الممكن أن يشعر المزيد من السوريين بالجرأة لأن يفعلوا نفس الشيء.

مأساة شعب
بات الاقتصاد السوري المرهق يقلق السوريين، كما يقلق الحكومة. فأكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون في براثن الفقر، وانخفضت قيمة العملة السورية انخفاضا شديدا من 700 ليرة مقابل الدولار في يناير إلى 3500 ليرة في يونيو الماضي.

واندلعت احتجاجات في المدن التي يسيطر عليها النظام- حيث من النادر أن يظهر المواطنون هناك أي اعتراض- و طالب المئات من المتظاهرين بتنحي الأسد.

ولم تشهد البلاد مظاهرات بهذا الحجم منذ احتجاجات الربيع العربي التي طالبت بالإصلاح الديمقراطي.

ويقول رايم ألاف، وهو خبير في الشؤون السورية لصحيفة " العرب" اللندنية، إن عددا متزايدا من السوريين يعتقد الآن أن حكومة الأسد عاجزة عن تحقيق الإصلاح ويفضلون رحيلها. ولكن النظام لا يتساهل، وبدأ في اعتقال المحتجين وتنظيم احتجاجات مضادة.

ويعد أقوى تهديد للنظام هو قانون حماية المدنيين في سوريا والذي يتطلب لإلغائه وقف النظام هجماته الجوية ضد المدنيين، وأيضا وقف استخدام الأسلحة الكيماوية، والسماح من جديد لجماعات حقوق الإنسان بالوصول إلى جميع أنحاء البلاد، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والسماح للنازحين السوريين بالعودة إلى ديارهم، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب.

ويشعر بعض المحللين بالقلق من أنه من المرجح أن تلحق التكاليف الاقتصادية ضررا بالمدنيين السوريين. ولتخفيف معاناتهم، يسمح القانون بوقف العقوبات بالنسبة للمنظمات الإنسانية، وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم حوالي 700 مليون دولار مساعدات إضافية، تشمل المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وتقول منى يعقوبيان، من معهد السلام الأميركي لصحيفة " العرب" اللندنية، إنه من الممكن القيام بالكثير للتأكد من أن العقوبات تلحق الضرر بالنظام فقط. ويشمل ذلك ترشيد عملية الإعفاء من العقوبات بالنسبة لمنظمات المساعدات، وتجنب العقوبات التي تعرقل عمليات إمداد المساعدات، وتقديم المزيد من المساعدات للاجئين في لبنان حيث يوجد أكبر عدد من النازحين السوريين في العالم.

ورغم هذه التهديدات الجديدة، يتوقع الكثير من المحللين أن يصمد النظام أمامها. فعائلة الأسد اعتادت مثل هذه الصعاب، لذلك من الممكن أن يكون لدراما الأسد – مخلوف تأثير ضئيل في نهاية الأمر.

ويقول في هذا الصدد، الكاتب العراقي فاروق يوسف “سقط النظام أم لم يسقط فإن ذلك الغد لن يأتي. لقد دُمرت سوريا وليس في الإمكان إعادة إعمارها وبالأخص بعد أن وضعت الولايات المتحدة نفسها وصية على الاقتصاد السوري بتحريض من بعض السوريين المقيمين فيها والذين تتحكم فيهم عقدة الانتقام من كل ما هو سوري بحجة كراهية النظام”.

ويضيف “سيكون قانون قيصر الذي أصدره الكونغرس الأميركي عقبة في طريق أيّ محاولة لإنقاذ سوريا بغض النظر عمّن يحكمها”، مضيفا أنه قبل صدور القانون بسنوات خرجت القضية السورية من أيدي السوريين وصارت جزءا من لعبة أممية.

غير أن الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله يقول “الأكيد أنّ النظام السوري لا يستطيع الاعتراف بأنّ قانون قيصر يعني نهايته. لذلك، ليس لدى وزير خارجيته وليد المعلّم سوى ترديد ما تمليه عليه مجموعة من الذين يعيشون في عالم لا ينتمي من قريب أو بعيد إلى الواقع عن أنّ ما يسمّى قانون قيصر هو قانون اليائس لأن سوريا سجّلت انتصارات في الميدان وعلى قوانين سابقة أحادية الجانب”.

وبحسب الكثير من المراقبين، فإنه كما أظهرت الحكومة من قبل، أنها لا تتوانى عن قمع المحتجين، وهو ما يمكن أن تفعله مرة أخرى لتجنب اندلاع ثورة جديدة في خضم أزمتها المالية.

كما يمكن للنظام التغلب على “قانون قيصر” عبر استغلال النخب وثيقة الصلة به، وأمراء الحرب، والوسطاء المحليين لممارسة النشاط التجاري مع شمال البلاد الذي يسيطر عليه المتمردون، والذي لا تنطبق عليه العقوبات، كما قال خضر خضور، من مركز كارنيغي الشرق الأوسط.

وعلاوة على كل هذه التفاصيل، فإن بشار الأسد لا يزال يتمتع بدعم إيران وروسيا، وهما الدولتان اللتان ساعدتاه في استعادة معظم أنحاء سوريا. وتقول يعقوبيان إن هذا يكفي لتجاوز العاصفة، مضيفة “لا أعتقد أن هذه العقوبات كافية لإسقاط النظام.. للأسف، إنها تعني فقط المزيد من المعاناة للمدنيين العاديين”.