في Friday 28 August, 2020

هل ستنجح «حكومة المشيشي» في الحصول على ثقة البرلمان التونسي؟

هشام المشيشي
كتب : زوايا عربية - وكالات

تنتظر حكومة هشام المشيشي، الثلاثاء المقبل، تصويت البرلمان التونسي المكون من 9 كتل برلمانية و18 نائبا مستقلا لمنحها الثقة.

ومنذ الإعلان عن الحكومة الإثنين، مازالت مواقف الكتل والأحزاب متضاربة تجاهها.

وبينما لم تحدد بعض الكتل موقفها بعد تجاه حكومة المشيشي، عبرت 5 كتل برلمانية وحزب عن مساندتها، فيما يرفضها "التيار الديمقراطي" و"ائتلاف الكرامة"، إضافة إلى أن 18 نائبا مستقلا غير معروف توجه تصويتهم.

أما حركة "النهضة" وهي أكبر الكتل في البرلمان (54 نائبا من أصل 217) فلم يتضح موقفها إلى حد الآن في انتظار اجتماع وشيك لمجلس شوراها.

وتحتاج حكومة المشيشي لنيل ثقة البرلمان تصويت الأغلبية المطلقة لصالحها أي موافقة 109 نواب من أصل 217.

والإثنين، أعلن المشيشي، عن حكومته التي فضل أن تكون حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب، تضم 25 وزيرا، و3 كتّاب دولة.

وجاء تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة خلفا لإلياس الفخفاخ الذي قدم استقالته للرئيس قيس سعيد في 15 يوليو/تموز الماضي.

وشهد البرلمان التونسي في ذات اليوم تقديم لائحة (عريضة) تطالب بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ، تحمل توقيع 105 نواب بينهم كتل "النهضة"، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، على خلفية اتهامها بشبهات فساد.

وكان تمرير اللائحة إلى مكتب البرلمان يتطلّب 73 توقيعا، ثم التصويت عليها في الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة للأصوات (109 من أصل 217)، بحسب الدستور التونسي.

وترأس الفخفاخ، منذ 27 فبراير/ شباط الماضي، ائتلافا حكوميا يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: "النهضة"، و"التيار الديمقراطي"، وحركة "الشعب"، وحركة "تحيا تونس"، وكتلة "الإصلاح الوطني".

الكتل والأحزاب المساندة (88 نائبا / يشكّلون 40.55 بالمائة)
وتتّجه حركة "الشعب" (15 مقعدا) مبدئيا إلى منح الثقة لحكومة المشيشي رغم تحفّظها على طريقة المشاورات، بحسب ما أعلنه النائب والقيادي بالحركة خالد الكريشي، في تصريحات صحفية بالبرلمان.

كما أبدى الأمين العام لحركة "الشعب" زهير المغزاوي، في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، تحفظاتها حول بعض الأسماء في الحكومة دون ذكرها، وذلك رغم موقفهم السابق في الموافقة المبدئية على حكومة المشيشي.

ومن المنتظر أن يجتمع المكتب السياسي لحركة "الشعب" نهاية الأسبوع الجاري لاتخاذ القرار النهائي بشأن الحكومة المقترحة.

كما تتّجه كتلة "قلب تونس" (27 مقعدا) إلى منح الثقة لحكومة المشيشي.

وفي هذا الإطار، رجّح رئيس الكتلة أسامة الخليفي، في تصريحات إعلامية، أن يكون لحزبه موقف من تشكيلة حكومة المشيشي يحافظ على مؤسسات الدولة، وينهي مرحلة حكومة تضارب المصالح في إشارة إلى حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة.

وقال الخليفي، إن هناك "ثقة متبادلة تُبنى مع المشيشي، ويجب إعطائه فرصة، وأغلب الظن أنّنا سنمنحه الثقة".

أما كتلة حركة "تحيا تونس" (10 مقاعد) فقررت عقب اجتماع مجلسها الوطني، الأربعاء، دعم حكومة المشيشي بشروط.

وقالت الحركة، في بيان، إنها "تدعم الحكومة بشروط التزامها ببرنامج عاجل للحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا، وخاصة المحافظة على مواطن الشغل والشروع في الإصلاحات الكبرى".

لكن الحركة أشارت إلى "بقائها منفتحة للتشاور مع بقية القوى السياسية والمنظمات الوطنية".
ومن المنتظر أن تصوّت كتل "الإصلاح" (16 مقعدا)، و"الوطنية" (11 مقاعد)، و"المستقبل" (9 مقاعد) لحكومة المشيشي.

ورغم عدم اتخاذ تلك الكتل إلى حد الآن مواقف نهائية من التصويت، إلاّ أنها طالما اعتمدت خطابا داعما للاستقرار والحفاظ على مؤسسات الدولة، ولعدم الذهاب إلى حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حال إسقاط الحكومة.

الكتل الرافضة (41 نائبا/ 18.89 في المائة)
وعلى عكس حركة "الشعب" شريكته في الكتلة "الديمقراطية" (38 مقعدا)، عبّر "التيار الديمقراطي" (22 نائبا)، عن موقفه صراحة من حكومة المشيشي.

وقرر المجلس الوطني" للتيّار الديمقراطي" المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، عدم منح الثقة لحكومة رئيس الحكومة المكلف المشيشي. وتعهّد "التيّار الديمقراطي" بـ"ممارسة دوره الرقابي في المعارضة البناءة والمسؤولة".

ويعود قرار "التيار الديمقراطي" إلى رفضه بحسب ما يقول "تبني المشيشي خيار حكومة تكنوقراط (كفاءات) غير سياسية، واعتماده على مشاورات صورية شابها الغموض، وغابت عنها الجدية، وتغييب دور الأحزاب السياسية".

كما أكّدت كتلة "ائتلاف الكرامة" (19 نائباً)، أنّها لن تمنح الثقة لحكومة المشيشي "وستقف سداً منيعاً ضدها لحماية المسار الديمقراطي"، بحسب ما جاء على لسان رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف في تصريحات إعلامية.

الدستوري الحر متحفظ (16 نائبا / 7.37 بالمائة)
أعربت عبير موسي، رئيسة كتلة "الحزب الدستوري الحرّ" (16 مقعدا)، في تصريحات إعلامية، الخميس، عن تحفظات كتلتها حول التشكيلة الحكومية المقترحة، وهو ما يحيل إلى توجه الكتلة بعدم التصويت على الحكومة.

وأبرز التحفّظات، بحسب موسي، "غياب وزارة التشغيل والتكوين المهني، وحقوق الإنسان، والتنمية جهوية، بالإضافة إلى تحفظها عن بعض الأسماء على غرار وزير الخارجية عثمان الجرندي لكونه شغل منصب خلال فترة الترويكا، ووزير التكنولوجيا لقربه من حركة النهضة".

الحسم بيد النهضة (54 نائبا/ 24.88 بالمائة)
ما زالت حركة "النهضة" (54 مقعدا) لم تحسم موقفها بشأن منح الثقة لحكومة المشيشي وبصفتها أكبر كتلة في البرلمان سيكون موقفها حاسما لتقرير مصير الحكومة.

وقال محمد خليل البرعومي عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في تصريحات إعلامية، أن حركته "لم تحسم إلى الآن قرارها النهائي بخصوص منح الثقة لحكومة المشيشي من عدمها".

وأشار البرعومي، إلى أن "مجلس شورى الحركة الذي سينعقد قريبا سيحسم الأمر"، دون تحديد موعد.

يذكر أن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، قال في تصريحات إعلامية، إن حزبه "ضد تشكيل حكومة كفاءات مطلقاً، وبصفة مبدئية"، معتبرا ذلك "مسألة مجانبة للديمقراطية، وعبثاً بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه، وإهداراً لجهد المنتخبين".

ورغم موقفها الرافض لحكومة كفاءات، إلا أن متابعين وخبراء رجّحوا أن تتّجه "النهضة" للتصويت على الحكومة دعما للاستقرار، وتجنيبا لتعميق الأزمة السياسية في البلاد.

وفي 25 يوليو/تموز الماضي، كلف الرئيس قيس سعيد، المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر واحد، بدأ يوم 26 من الشهر ذاته.

مآلات إسقاط الحكومة
رغم صعوبة حدوثه إلا أن سيناريو إسقاط الحكومة وعدم منحها الثقة يبقى مطروحا ما إن قررت بعض الأحزاب الوازنة عدم منح الثقة لحكومة المشيشي، ولم تحصل الأخيرة على أغلبية 109 أصوات.
وفي هذه الحالة يكون المشهد مفتوحا أمام خيار حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية مبكّرة.

وفي هذا السياق، تؤكّد أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي للأناضول، أنه "في حال لم يمنح البرلمان الثقة لحكومة المشيشي فإن الدستور يعطي الحقّ لرئيس الجمهورية (قيس سعيّد) حلّ البرلمان".

وتوضح أن "الدستور لا يقيّد الرئيس بأجل معيّن لحلّ البرلمان، فيمكنه إعلان ذلك بمجرد انتهاء التصويت على الحكومة، أو بعد 24 ساعة، أو أسبوع وله سلطة تقديرية في ذلك".

وتضيف القليبي، أنه "إذا قام (سعيّد) بحلّ البرلمان، فإن الدستور ينص على أن الانتخابات المبكّرة يجب أن تجرى في أجل أدناه 45 يوما من تاريخ حلّ البرلمان، وأقصاه 3 أشهر".

لا خوف من الفراغ
وتبديدا للمخاوف من حدوث فراغ في الدولة حال حلّ البرلمان تشدد القليبي، على أنّ "مؤسسات الدولة تبقى قائمة، واستمرارية الدولة مضمونة بنصّ الدستور الذي نظّم مآلات هذا الوضع، ومن يمكنه التعهّد بحاجيات الدولة في هذه الحالة، وبتسيير المرافق العمومية، والحد الأدنى الضروري لبقاء الدولة".

وتشير خبيرة القانون الدستوري، إلى أن "حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الفخفاخ ستواصل عملها، ولا تنسحب إلا في حال إرساء الحكومة المقبلة التي ستعوّضها".

وتردف أن "حكومة الفخفاخ ستبقى قائمة إلى حين تنظيم الانتخابات التشريعية المبكّرة، بل إلى حين إرساء الحكومة الجديدة على ضوء نتائج الانتخابات إذا حصلت"، لافتة إلى أن وجود حكومة تصريف الأعمال يستمر فترة ثمانية أشهر فما فوق".

من جهة أخرى، تنفي القليبي "حصول أي فراغ تشريعي بعد حلّ البرلمان، إذ يمكن لرئيس الدولة حسب الدستور أن يضطلع بالوظيفة التشريعية لكن عبر مراسيم وليس قوانين".

وتضيف القليبي أن الرئيس في هذه الحالة "يتعهد بالحاجيات التشريعية عبر أداة قانونية تسمى مراسيم، باعتبار أن الدولة ستحتاج قوانين خاصة في الوضع الراهن الذي تمر به البلاد".