في Friday 11 September, 2020

لا يزال في أنظار غالبية التونسيين شخصية محاطة بالشكوك والمخاوف..

لماذا يفشل الغنوشي في التخلص من صورة «الإخواني المتطرف»؟

رئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي
كتب : زوايا عربية - متابعات

لم ينجح رئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي في التخلص من الصورة السائدة عنه منذ سبعينات القرن الماضي، خاصة مواقفه في مسائل الأسرة ومعارضته مجلة الأحوال الشخصية، فضلا عن ارتباط تلك الصورة بآية الله الخميني حين أعلن الإسلاميون تحمّسهم لثورة 1979 في إيران.

ورغم محاولات التأقلم في المظهر والمواقف، لا يزال الغنوشي في أنظار غالبية التونسيين شخصية محاطة بالشكوك والمخاوف، خاصة في ظل علاقاته الخارجية المثيرة للجدل؛ ما يجعله عرضة للاتهامات إثر كل أزمة جديدة.

وحمّل عدد من أهالي مدينة المكنين في الساحل التونسي الغنوشي مسؤولية الهجوم على رجلي أمن تونسيين الأحد الماضي في سوسة، ورفعوا شعارات ضده خلال جنازة عنصر الحرس الوطني الذي قُتل في الهجوم.

وليست هذه الحادثة هي الأولى التي تم فيها اتهام الغنوشي وحركة النهضة بالمسؤولية عن انتشار التشدد، فقد شهدت احتجاجات أخرى نفس الشعارات، خاصة خلال الوقفات المطالبة بتحقيق جدي في مقتل المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

ويكشف الغضب العارم في جنازة رجل الأمن نفور المواطن التونسي من الطبقة السياسية، خصوصا منها المستمرين على رأس السلطة لأكثر من 10 سنوات، وأبرزهم الغنوشي الذي يتهمه كثيرون بإدارة اللعبة السياسية في البلاد وفقا لأجندات حزبه ومصالحه الإقليمية.

وتقول أوساط تونسية إن صورة الرجل المتطرف ظلت تسيطر على أذهان التونسيين تجاه الغنوشي، بالرغم من التنازلات الفكرية والسياسية التي يقدمها منذ 2011 في محاولة لكسب ود الشارع.

ولفتت إلى أن رئيس حركة النهضة لم ينجح في التخلص من صورة الشخص الذي ذهب إلى الشرق (مصر وسوريا) للدراسة فعاد إلى تونس بفكر إخواني منغلق، وأنه كان يهاجم جامع الزيتونة ودوره، فضلا عن أفعال عنيفة من قِبل أنصاره ضد خصومه؛ من ذلك رش وجوه أئمة معارضين بماء النار، وحرق حارس مقر الحزب الحاكم آنذاك في حادثة باب سويقة الشهيرة سنة 1991.

واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “الغنوشي لم يستطع منذ عودته إلى تونس أن يطور شخصيته من زعيم تنظيم إسلامي إلى زعيم وطني وبقي وفيا لمنهج الجماعة، وهو ما أثار حوله الكثير من الانتقادات التي تتكرر في كل المناسبات”.

وأضاف الترجمان في تصريح لـ”العرب” أن “الغنوشي أضاع فرصة تاريخية له عندما فاز برئاسة البرلمان ليتحول من زعيم حركة النهضة إلى زعيم وطني، لكنه أصر على ممارسة نفس الدور ضيق الأفق تنظيميا وفكريا، وهذا ما بدا واضحا في تشكيلة من عينهم معه وآليات اختياره لمستشاريه وتحول ديوان رئيس مجلس نواب الشعب إلى مكتب داخل حركة النهضة”.

وتابع أن “الغنوشي فشل في أداء دوره في المشهد السياسي التونسي وبقي لأكثر من 40 سنة زعيما لحركة إسلام سياسي منغلقة على نفسها”.

ويرى الناشط السياسي فريد العليبي أن “الغنوشي يقدم نفسه باعتباره مفكرا ومعارضا مرموقا، ولكن التونسيين يتذكرون أن الزعيم الحبيب بورقيبة سمح له بنشر مجلته وطبعها في دار الحزب الدستوري، أما زين العابدين بن علي فقد قال إنه يثق فيه بعد ثقته في الله، وهذه التناقضات في الأقوال والأفعال تواصلت إلى حد الآن”.

وأضاف العليبي في تصريح لـ”العرب” أن الثقة “أضحت معدومة بين الغنوشي وبين أوسع فئات الشعب، وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة فقدت حركته قرابة المليون ناخب، وهي اليوم لا تمثل أكثر من 7 في المئة من مجموع من يحق لهم التصويت، والاستنتاج هو أن تجربة الحكم أفقدته الكثير، وهو ما سيتواصل خلال المدة القادمة”.

وسبق أن اختارت شريحة واسعة من التونسيين، في استطلاع للرأي، راشد الغنوشي أسوأ شخصية سياسية في البلاد.

ويتصدر الغنوشي ترتيب أسوأ الشخصيات السياسية في تونس للشهر الخامس على التوالي، وفق الاستطلاع الشهري الذي تقوم به “سيغما كونساي”.

ويرى مراقبون أن سلوكات الغنوشي ومحاولات إقحامه البلاد في صراع المحاور الأجنبية هي ما جعله أسوأ شخصية في عيون التونسيين، حيث قاد سلسلة تحركات واتصالات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثارت جدلا واسعا بشأن تجاوزِه صلاحياته.

وواجه راشد الغنوشي معارضة برلمانية واسعة بلغت 97 نائبا من مجموع 217، قاموا بالتصويت لصالح سحب الثقة منه على رأس البرلمان.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي صالح عطية أن “شخصية الغنوشي ارتبطت أساسا بالتجاذبات السياسية الإقليمية، أو ما يعرف بالصراع الشديد للمحاور في المنطقة برعاية أطراف غربية، وهو اختلاف هدفه الأوضاع في تونس”.

وأضاف عطية، في تصريح لـ”العرب”، أن شريحة واسعة من التونسيين ومن الطبقة السياسية في البلاد منزعجة من وجود الإسلام السياسي في تونس “وهي غير قابلة للتغيير في أبعاده الاجتماعية والثقافية والحضارية، وتميل إلى العلمانية”.

وأشار إلى أن الصراعات والمناكفات لم تهدأ مع الغنوشي منذ 2011 تاريخ وصول حركة النهضة إلى السلطة، “وهي صراعات قديمة بين العلمانيين والإسلاميين؛ النهضة سيطرت على الحكم والبلاد لم تتقدم اجتماعيا واقتصاديا قيد أنملة”.

وتابع “الجدل الذي يثيره الغنوشي ناتج عن علاقاته الخارجية المتشعبة (ليبيا، الجزائر، الولايات المتحدة، تركيا) التي تزعج خصومه السياسيين باعتبار اصطفافهم مع دول أخرى، خصوصا في علاقة بالملف الليبي”.

نقلاً عن «العرب اللندنية»