في Friday 11 September, 2020

بدأت تظهر علامات الخشية من أن ينهار الاتفاق في أي لحظة..

السلام في السودان.. معاول تصطدم بجبل من التحديات

كتب : زوايا عربية - متابعات

يشكل اتفاق السلام في السودان المبرم نهاية الشهر الماضي نقطة بداية لوضع المعارك أوزارها في بلد يعاني من التشتت بين الحركات المكونة للنسيج الاجتماعي. ومع ذلك بدأت تظهر علامات الخشية من أن ينهار الاتفاق في أي لحظة بسبب التحديات الكثيرة، والتي ستجعله مجرد مشروع “حسن النوايا” لا أكثر.

ومن البديهي أن تصل شكوك المتابعين والمحللين حول ما إذا كان الاتفاق، الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى، سيصمد بالفعل بالنظر إلى عدم إبرامه من طرف كل من حركتي تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، والتي تسيطر على أجزاء من جبل مرة في إقليم دارفور، والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، والتي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

والآن، تتجه أنظار المراقبين إلى الأسابيع القليلة المقبلة للوقوف على مدى ما إذا كان الجميع سيجتمعون على طاولة واحدة حينما يتم التوقيع النهائي على الاتفاق في الثاني من أكتوبر المقبل، ولتطوي معه حركات التمرد والحكومة الانتقالية، التي تولت السلطة العام الماضي حقبة المنظومة القديمة نهائيا، أم الاتفاق سينهار كما حدث في الاتفاقات سابقة؟

وهناك علامات استفهام أخرى تثير حفيظة المتابعين السياسيين من قبيل هل لدى الخرطوم التمويلات المالية اللازمة لتنفيذ كافة بنود الاتفاق وخاصة من الناحية التنموية التي تتطلع إليها المناطق المهمشة؟ وهل يكون هذا الاتفاق مدخلا حقيقيا لتحقيق الاستقرار في بلد عانى من الويلات الكثير طيلة عقود؟

خلافات قائمة
يأمل المراقبون في نجاح الاتفاق ولكن العديد منهم عايشوا من قبل انهيار اتفاقيات مماثلة، فضم متمردين إلى قوات نظامية ليس دائما بالأمر السهل. وبناء السلام والثقة بعد سنوات من الحرب سيأخذ وقتا. ومع عودة الناس إلى بيوتهم بعد سنين طويلة بعيدا عنها يثير مخاوف من اندلاع نزاعات جديدة إذا رفض الشاغلون الحاليون لهذه المنازل مغادرتها.

ويقول جوناس هورنر الخبير في مجموعة الأزمات الدولية “إن الاتفاق يظل خطوة هائلة إلى الأمام، ولكنه ليس اتفاقا شاملا ويمثل خطوة أولى فقط نحو السلام”، حيث يعتقد أن هناك “عقبات كبيرة على طريق تنفيذه”.

ويتضمن الاتفاق مسألة مهمة تتعلق، بالدرجة الأولى، بالسلام والعدالة والحقوق والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وهو يقضي بإنهاء التمييز من خلال إجراءات محددة من بينها جعل لغات الأقليات رسمية، كما يفترض أن يحمي الاتفاق الحريات الدينية ويضمن للمسيحيين وأتباع الديانات المحلية بأن يتعبدوا في سلام.

ووصف الوسطاء هذه النقطة بأنها “العنصر الأهم” في عملية السلام في السودان والتي تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى المناطق التي مزقتها الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

وتوقف القتال، وهي نقطة أخرى لا تقل أهمية، مرتبط بمدى تنفيذ كافة الأطراف على وقف إطلاق نار دائم، وخاصة المتمردين، الذين يتحدرون من أقليات اثنية عانت من التهميش في عهد عمر حسن البشير، والتي تتشكل من جبهة السودان الثورية، التي تعتبر تحالفا يضم خمس مجموعات تمرد وأربع حركات سياسية من إقليم دارفور غرب البلاد حيث اندلع النزاع في العام 2003 ومن إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق جنوب البلاد.

وقد اندلع التمرد في الإقليمين الأخيرين في العام 2011 بعد سنوات من توقف الحرب بين شمال وجنوب السودان، التي استمرت من 1983 حتى 2005.

ومن المفترض أن يتم إدماج مقاتلي المجموعات المتمردة تدريجيا في قوات الأمن الحكومية. وقد تم وضع جدول زمني لتدريب ثم إدماج هؤلاء المقاتلين، ولكن ذلك مرتبط أيضا بكيفية تقاسم السلطة بين هذه الأطراف.

ويرى عسكريون سودانيون أن إعادة تشكيل الجيش السوداني تحت أي مسمى (جيش موحّد أو جيش قومي)، لا تتسق مع المنطق السليم، كذلك فإن الحديث عن دمج قوات الحركات فيه بنسب تتساوى وعدد الجيش الحالي في كل مستوياته ورتبه، من المفترض أن يجري وفقا لنظم وترتيبات أمنية وعسكرية متعارف عليها، كي لا يمثل ذلك خطرا عليها.

ومن المفترض أن يحصل المتمردون على ثلاثة مقاعد في المجلس السيادي وهو السلطة السياسية الأعلى خلال المرحلة الانتقالية الحالية في السودان. كما يحصلون على ربع مقاعد الحكومة وربع مقاعد البرلمان الانتقالي الذي سيضم 300 عضو.

وبموجب الاتفاق، يتعين أن تشكل المرأة 40 في المئة من الوظائف الحكومية على كل المستويات وسيكون للمتمردين دور في حكومات الولايات، غير أن الأمور قد تتغير في أي لحظة كما حصل في اتفاقات سابقة لم تر النور. ويقول مراقبون إنه إذا استمر المتمردون في القتال، فقد ينهار الاتفاق. وقد رفض جناح من حركة تحرير دارفور يقوده نور الانضمام للاتفاق، إلا أن الرجل يقيم في باريس منذ سنوات وليس له وزن كبير على الأرض.

ولم توقع على الاتفاق حركة تمرد رئيسية أخرى يقودها الحلو ولكن الأخير وقع مطلع الشهر الجاري اتفاقا منفصلا مع الحكومة السودانية. وتعتبر جبال النوبة في جنوب كردفان معقل الحلو وهي منطقة تعيش فيها طائفة مسيحية كبيرة.

وبموجب هذا الاتفاق المنفصل ستحتفظ قوات الحلو بسلاحها من أجل “الحماية الذاتية” إلى أن يتم تغيير الدستور السوداني لينص على الفصل بين الدين والدولة.

بوادر حسن النية
ولأن الجميع لديهم إصرار على إنهاء التوترات في الأقاليم، التي يتشكل منها السودان، فإن هناك عدة بوادر حقيقية كما يراها كثيرون، قد تؤسس لعملية سلمية قوامها احترام بنود الاتفاق بما فيها مسألة المحاكمات التي ستقتصر فقط على المسؤولين في نظام البشير.

وقالت الحكومة الانتقالية، التي يرأسها عبدالله حمدوك، مرارا أن المحاكمات سوف تشمل فقط قيادات الحكومات السابقة، وليس المتمردين، فالاتفاق ينص صراحة على العفو عن قيادات مجموعات التمرد والحركات السياسية.

ويحاكم البشير مع عدد من وزرائه السابقين لاستيلائهم على السلطة المنتخبة ديمقراطيا من خلال انقلاب في العام 1989. وسبق أن أدين الرئيس السابق بالفساد وحكم عليه بالسجن، كما أنه كان محل ملاحقات دولية بسبب ما يحصل في دارفور.

ويدعو الاتفاق إلى تشكيل محكمة خاصة للجرائم في دارفور حيث أسفرت المعارك عن سقوط 300 ألف قتيل، غير أن النقطة التي تبدو مهمة أيضا في مسار السلام هو مدى التزام الخرطوم بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تطالب بمثوله أمامها، إذ اتهمته رسميا منذ سنوات عديدة بارتكاب جريمة إبادة وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

وقد أبدت الحكومة السودانية تجاوبا في فبراير الماضي على مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن قد يتم استجوابه أمام القضاء السوداني أولا.

وما يهم في كل ذلك هو حياة السودانيين واستقرار ظروفهم المعيشية، فضلا عن مسألة اللاجئين، بعد أن أرغمت الحرب الملايين من المواطنين على ترك ديارهم فأصبحوا لاجئين في الدول المجاورة أو يعيشون في مخيمات داخل السودان.

ويرى متابعون أن تنصيص اتفاق السلام على حق اللاجئين في العودة إلى بلدهم والتمتع بحقوق المواطنة كاملة والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى المناطق التي سيعودون إليها، كفيل بظهور بصيص أمل لإنهاء التوترات.

نقلاً عن «العرب اللندنية»